لقراءة الموقف الروسي مما يجري في العالم، وبالذات ما يجري في الشرق الأوسط، من المناسب استعادة بعض المحطات المفصلية في التطورات السياسية التي تلت انهيار الإتحاد السوفيتي وتفككه كمنظومة سياسية كبرى، شكلت المحور الثاني في معادلة الحرب الباردة، وتوازن الرعب النووي خلال النصف الأول من القرن العشرين المنصرم . استعادة تلك المعطيات من شأنها أن تضعنا أمام الموقف الراهن وما يشكله من متغير دولي لايمكن تجاهله ، وعليه أقول، إن الإتحاد السوفيتي انهار بطريقة دراماتيكية أقرب إلى السقوط الحر ، وذلك عطفاً على فشل التجربة الاقتصادية التي تكلست بالبيروقراطية، واعتدت كثيراً بمؤسسة القوة الاستراتيجية ، وتعاملت مع الوفر المادي الكبير للاتحاد السوفيتي دونما نظر لأهمية التعامل البراغماتي مع معطيات العلم والتكنولوجيا، وكانت النتيجة أن تحولت تلك التجربة إلى سبب مؤكد في افتقاد الأفضليات الإنسانية للنظام الاشتراكي الخاص بالرعاية الإجتماعية والثقافة والفنون . بعد سلسلة الوفيات المتتالية لعجزة المكتب السياسي واللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوفيتي بدأت تباشير دعوة طوباوية تبناها غورباتشوف ، وكان التنظير لها يتسم بقدر كبير من ضبابية الرؤية المقرونة بحسن النية ، وافتراض أن المبادرة السوفيتية الكبرى باتجاه الإصلاح ستؤدي إلى تفاهم ناجز بين القطبين ، لكن هذا التوقع سرعان ما تكشف عن وهم كبير ، فقد اعتبرت الدوائر الفكرية السياسية اليمينية، وخاصة في الولاياتالمتحدة .. اعتبرت سقوط الاتحاد السوفيتي تعبيراً عن نصر مؤزر للنموذج الرأسمالي في شكله الأمريكي . ومن هنا شرعت الولاياتالمتحدة في نظرية المبادآت الاستراتيجية ، وإحياء برنامج حرب النجوم الريغني سيء الصيت ، والشروع في بلورة مرئيات العالم الجديد ذي القطب الواحد. [email protected]