معطيات الحال في الفاجعة التراجيدية السورية لم يعد شأناً محلياً بالضرورة، بل أن آفاق البُعدين الإقليمي والدولي في هذا الحدث الزلزالي يكاد يكون أكثر وضوحاً، قياساً بكامل المُعطيات التي جرت سابقاً في العالم العربي المنخرط فيما سُمِّي بالربيع العربي؛ فعلى قدر الحضورين الإقليمي والدولي في الحالات التونسية والمصرية واليمنية والليبية، إلا أنه يكتسي الآن طابعاً صاعداً في عمقه وجذريته، بل أن المسألة السورية جعلت الساحتين الإقليمية والدولية في حالة التباس عضوي بالشأن الداخلي السوري، حتى أن بعض المُراقبين يذهبون إلى أن الحرب المدمرة التي تجري الآن في سوريا تكشف تماماً عن انخراط أطراف مختلفة فيها. وكأن السوريين الذين يدفعون ثمن هذه الحرب البشعة ينتقلون تباعاً نحو حرب موازية بالوكالة، تُترجم ضمناً مرئيات ونظرات واستراتيجيات الخلافات الدولية التي تطل برأسها لتعيد إنتاج نموذج جديد لحرب باردة كونية قد تنزلق إلى ما هو أبعد من توازن القطبين العالميين السابقين (أمريكا والاتحاد السوفيتي). هنا يسخر القدر من الحالة الداخلية السورية المُجيّرة على منطق النظام في إدارة الحروب؛ فقد درج النظام السوري على التفنُّن في إدارة الحروب بالوكالة، وكان يتباعد دوماً عن مرمى النيران الحامية، ليضع فرقاء الإقليم في أتون تلك الحروب، منتظراً النتائج، التي وللحق كانت تأتي لصالحه، على مدى عقود الاشتعالات الساخنة في الشرق الأوسط . لسنا هنا بحاجة إلى إعادة تذكير القارئ الكريم بتجارب دمشق في المعادلات الإقليمية الحربية؛ ابتداءً من تجربة الحرب الأهلية اللبنانية المديدة، مروراً بسلسلة الوقائع العسكرية المحدودة في لبنان، وحتى الانخراط السياسي الحذر في الحروب الشاملة التي دارت على خط العراق وإيران، وذروتها حربا عاصمة الصحراء، وإسقاط النظام البعثي (النظير) في بغداد. وأخيراً وليس آخراً، الاشتغال السياسي الرأسي على خط المسألة الفلسطينية التي أفرزت احتضاناً “بعثياً” براغماتياً ناجزاً لحركة حماس.. لكن حماس بالذات قرأت المتغير الطارئ قراءة سياسية ميكافيلية فتباعدت عن تحالفها النفعي مع طهرانودمشق، لتعوم في المتغير الذي يأتي لصالح الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وخاصة في مصر. [email protected]