من الطبيعي أن يتساءل المرء حول السر الكامن وراء الموقفين الروسي والصيني تجاه المسألة السورية، التي تفاقمت وأصبحت تحتل مركز الصدارة في الموقفين الإقليمي والدولي، وذلك استتباعاً للوضع الجيوبوليتيكي المُعقد من جهة، والذي أفاد النظام السوري على مدى عقود من البراغماتية السياسية، وإدارة الحروب بالوكالة، واستنفاد الخطاب الأيديولوجي المجير على القضية المركزية وملحقاتها. من الطبيعي أن يتساءل المراقب عن الموقفين الروسي والصيني بالرغم من الاختلاف التكتيكي بينهما، فالموقف الصيني مازال مُكتفياً برفع الفيتو، والإدلاء بتصريحات عامة تنطوي على آمال وأماني، تدرك الصين أنها بعيدة كل البعد عن واقع السجال الدموي الذي يجري على الأرض في سوريا. وبالمقابل يتماهى الكرملين مع الحالة السورية تماهياً يرقى إلى مستوى التبني التام لنظام دمشق، فالفيتو الروسي ليس إلا رأس الحربة الدبلوماسية القاهرة لرغبات الدول الأعضاء في المجلس. لكن روسيا لا تكتفي بذلك، بل تدير آلة سياسية وعسكرية ودبلوماسية متعددة الحراب والآفاق، مُعتبرةً أن هزيمة أعداء النظام البعثي في دمشق بمثابة هزيمة مؤكدة للسياسة الأمريكية في المنطقة والعالم، وأن انتصار النظام السوري هو بمثابة نصر مؤزر للكرملين!! .
وهنا يجدر بنا أن نتوقف قليلاً أمام الاعتبارات التي حدت بروسيا والصين لتسجيل هذين الموقفين اللذين يعيداننا لذكريات الحرب الباردة من جهة، كما يبينان لنا حجم التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا، تناسباً مع حجم المصالح بين العملاقين، واعتباراً لتشابه النظامين في أفق ما، وسنبدأ بالصين التي وجدت نفسها في اشتباك عسير مع الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، عطفاً على الحرب التجارية المكشوفة، والتي تنخرط فيها الصين باعتبارها الأداة الحاسمة التي تتمتع بها الصين، فلقد تمكنت الصين من إسقاط نظام (بريتون وودز) النقدي، واتفاقية التجارة والتعرفة الجمركية ( الغات)، منذ أن ركلت بأقدامها مفاهيم حقوق الملكية الصناعية، وابتكرت نموذجها الخاص في نسخ التكنولوجيا وتحويرها، ثم تطويرها، وقد أسست الصين مفهومها الخاص لنقل التكنولوجيا من خلال احتسابها الذكي لجملة الأفضليات الاستثمارية التي تتمتع بها، بل إنها تجاوزت التخوم الصينية لتجتذب المصانع والاستثمارات الأوروبية والأميركية، وتعيد تصدير منتجاتها لبلدان المنشأ، حتى أن كبريات الشركات الصناعية العابرة للقارات وجدت نفسها أمام إغراء الإنتاج المنافس في الصين، ومن هنا بدأت الحرب التجارية المُعلنة على التنين الصيني. ويضاف إلى ذلك تمسك الصين المبدئي بعالم متعدد الأقطاب، وهو الشعار الذي تبنته الصين وروسيا وفرنسا على عهد الرئيس الأسبق ( شيراك)، معتبرين القطبية الأحادية للولايات المتحدة أمراً غير ممكن ولا مقبول، وللحديث صلة.