- د. عمر عبد العزيز .. استراتيجية المبادأة الكبرى للولايات المتحدة لم تقتصر على العالمين العربي والإسلامي كما أسلفنا، بل أخذت مداها في شرق أوروبا وآسيا فيما يسمى بالأدبيات السياسية ب«أورآسيا» وهي كامل الامتداد الذي يضم روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق ودول البلقان، سواء المجيرة على شرق أوروبا التاريخية أم العمق الاوروإسلامي الآسيوي مثل تركيا. ولقد وجدت الإدارة الأمريكية أعظم الفرص في الحالتين السوفيتية السابقة والروسية الحالية، فيما قدم لها الرئيسان السابقان غورباتشوف و ويلتسن خدمات استراتيجية لم يكن أحد يحلم بها في البيت الأبيض، فقد مهد غورباتشوف لتقويض الكيان السوفيتي من خلال نظراته الطوباوية وبحثه اللاهث عن بشرية تتعاون لتبحر في قارب النجاة الواحد، كما كتب في تنظيراته الاستيهامية للبيريسترويكا فيما جاء «القيصر» يلتسن لكي يتم التدمير ببرودة روسية، وبنزعة ذاتية عميقة الجذر في الشطح المنفلت من كل عقال. الحالة الروسية تبدو الآن ابعد ما تكون عن النصر بالمعاني السياسية والاقتصادية، لأن روسيا لاتزال تعيد انتاج آليات الماضي وخاصة في الحاكمية النابعة من دهاليز الكرملين وأروقته، حيث تتم أخطر الطبخات والترتيبات لمستقبل الأمة، مع فصام عملي بين الليبرالية الاقتصادية المفارقة لطبيعة الوضع، والتردي الاقتصادي الذي يجعل الدب الروسي قابعاً في مراهناته الأزلية على القوة الكاسحة والصواريخ بعيدة المدى، ومن عجائب الدهر أن الذاكرة الروسية الحاكمة تنسى أو تتناسى ان الجبروت العسكري السوفيتي لم يمنح لذلك الكيان العملاق البقاء، وان الانهيار الذي تم كان أغرب من الغرائب ذاتها جاء لأن المجتمع كان منخوراً من داخله، وان افضليات النظام الاشتراكي تبخرت أمام المركزية الشديدة، والبيروقراطية القاتلة، مما ساعد الظواهر الصوتية في إذاعات «أوروبا الحرة» على التغلغل في أفئدة وقلوب السوفيت، تماماً كما فعلوا في كل أوروبا الشرقية، جاءت النتيجة الحتمية جحيماً من الوحشية الرأسمالية الشبيهة برأسمالية القرن الثامن عشر الكئيبة، وخيبة أمل كبيرة إزاء الوعود بألفية هانئة لبهجة المطاعم السريعة ونمط الحياة الأمريكية !! [email protected]