أوقفني على الهواء الطلق في موقف الفضاء المفتوح وقال لي :عندما تجلب لنا الرياح المفتوحة وباءً ما، يجب ألا ننشغل بالمواجهة الاستعراضية العبثية للرياح، علينا أن نبادر إلى تلقيح أنفسنا من الوباء وتقوية المناعات الداخلية. قلت له: لم أفهم ما ترمز إليه. قال لي: ثمة من يعتقد أن حرية التعبير ستقضي على الدين وأنه لابد من تكميم أفواه الناس حتى لا تنهار حقائق الدين العظيمة أمام ترهات وخزعبلات بعض المراهقين. وأوقفني في مقام الواثق شارحاً :هذا النمط من التصور الكلاسيكي لحماية الدين لم يعد مجدياً لأمرين الأول: صعوبة تكميم أفواه الناس في عصر الفضاء المفتوح وملايين المعلومات والرسائل الإعلامية عابرات القارات التي تخترق الجدران وتصل إلى غرف نومنا، ويستطيع أي عابث أن يدخل الشبكة العنكبوتية بملايين الأسماء الوهمية وينشر مليارات الإساءات العابرة للقارات. الثاني: أن مشيئة الله اقتضت حدوث هذا الافتراء لتكتمل حلقات الابتلاء،قال تعالى [وليلبسوا عليهم دينهم , ولو شاء الله ما فعلوه , فذرهم وما يفترون] وأشارت آية أخرى إلى أن الإسلام لا يخاف من إتاحة الحرية لهذه الافتراءات ولا من الاستماع إليها ولا من العمل المترتب على السماع، قال تعالى [فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ] ولهذا أكد سيد قطب أن من كمال الابتلاء حدوث الافتراء. الثالث: أن حقائق الدين تمتلك من الحجج الدامغة ما لا يضر معها ترهات وتلبيسات الحاقدين. والأفضل في ظل متغيرات العصر وثورة المعلومات ووسائط الاتصال تربية أبنائنا على الحوار والتفكير الناقد للدفاع عن عقائدهم، بدلاً عن الخوف الساذج عليهم من حرية التعبير في فضاء مفتوح ومحاولات تكميم الأفواه. منع صحيفة أو موقع الكتروني من نشر ما نكرهه لا يحل المشكلة ، جرب هذا الأسلوب زين العابدين من قبل، فأتاه الفيس بوك من حيث لا يستطيع المنع والحظر. إرهاب كاتب ما ومنعه من الكلام لا يفيد لأنه يستطيع أن يتقمص مليون اسم وهمي وأن ينشر قناعاته في ملايين المنابر التي لا يمكن السيطرة عليها. في عالم اليوم لا تستطيع أمريكا بكل ما وصلت إليه من تفوق عسكري وتكنولوجي أن تمنع تنظيم القاعدة من نشر أفكاره وإعلان مواقفه عبر الشبكة العنكبوتية. على الدعاة عدم تبديد جهودهم فيما لا يفيد، لا عاصم اليوم من إعصار الفضاء المفتوح غير العودة إلى كتاب الله والصدع بما نؤمر والإعراض عن المخالفين والحوار مع من يؤمن بالحوار و التعبير السلمي عن رفضنا لأساليب الخوض في آيات الله والاستهزاء بها من خلال الإعراض الاحتجاجي وإعلان مقاطعة المواقع التي تنشر ثقافة الكراهية والتحريض الساخر وعدم شتيمة المخالفين أو شتيمة مقدساتهم. وعلينا قبل كذلك تربية أبنائنا على الحوار والتحصين الفكري من خلال تنمية ملكات التفكير الناقد وتدعيم المناعات الداخلية.