كثيرون من تحدثوا عن مشاريعهم الخاصة والعامة كمتنفّس كلامي يرممون به جدران فراغهم ومساحات يبابهم .. دون أيّ تطبيق على أرض الواقع .. أو إنجاز ما يمكنهم الحديث عنه بصوتٍ عالٍ ليجود الصدى بما هو أبهى وأجمل. لكنّ شاباً يمنياً غادر اليمن قبل سنوات قليلة باتجاه قاهرة المعزّ لغرض استكمال دراسته ككثير من شباب اليمن .. فعل مالم تفعله وزارات بأكملها .. ومالم يفكر بإنجاز طيوفه الآلاف من الباحثين والدارسين وأصحاب الأموال وأرصدة الخيبة في كثير من مناحي عراء واكتظاظ هذا الوطن التعيس بالكلام دون فعل. ومن منتدى إلكترونيّ توافد لصفحاته غير الاعتيادية مجموعة من الشباب العربي يجودون بجنونهم وآفاق صلوات أرواحهم الحرّة المشرئبة صوب مالا نهاية لحدود التوقّد .. بزغت مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بمدينة القاهرة .. حاملة على عاتقها تميزاً منفرداً منذ الوهلة الأولى .. ومغامرة مختلفة تستحق الكثير من التشجيع والانتماء إلى فضاءات أروقتها التي أثمرت حتى اللحظة عطاءً إنسانياً لافتاً .. وتطبيقاً واقعياً لجنون الطموح .. وثورة الألفة .. ورصد اللامفهوم .. وتنفيذ اللامعلوم .. وربط القيمة الفعليّة بالنقرة اللامتناهية لأزرار الكيبورد وهو يترجم واقعاً حصيفاً رغم مجازفته .. وتألقاً مستميتاً رغم كوابح الزمن وموت الأحلام. ذلك الشاب اليمنيّ “هاني الصلوي” أو هذا المجنون الذي قاد انقلاباً إلكترونياً على المفهوم السائد والثرثرة المتلاشية في دخان المواعيد .. ومعه ثلّة من أروع ما أنجبه الطموح العربيّ .. فعل ويفعلون ما يجعلنا نؤمن كل ليلٍ بصباحٍ متجددٍ لا يتوقّف أمام عقبةٍ كؤود .. أو خيبةٍ واعدة .. أو نكسةٍ ماثلة .. أو حلمٍ مُضمّخ باللاجدوى. وبعد أن أنجز واقعاً مؤسسة فاعلة .. وأثمرت المؤسسة عطاءً عربياً وعالمياً من خلال إصداراتها واستناراتها غير التقليدية .. وأخرجت للشباب العربي فيض مساحة مميزة من ملتقياتٍ أدبيّة ثقافية فكرية التفً حول مائدتها العامرة بالتجليات اللامنتهية بقاهرة المعزّ .. عاد “الصلوي” قبل أيام لوطنه اليمن حاملاً الكثير من تفاصيل الحلم .. ليدشن ما استطاع رغم كآبة الخطوة في هذا الوطن الموبوء بأفق مثقفيه الأضيق من مزرعة قرويّ لا تعطي النزر اليسير إلا في أعجوبة حدث لا ينتهي إلا حيث بدأ. لكنّ مؤسسة أروقة فاجأتنا الخميس الماضي بالحدث الجميل .. حين ألقت حجراً كبيراً في المياه الراكدة وهي تبشرنا وستفعل كما فعلت .. وستفي بوعدها كما رأينا وعشنا .. وسنتذكر جميعاً ذات يوم أن الحلم لا يموت وخلفه شباب طامح وأذهان متوقدة .. ونُبل مقصد .. وفيض استنارة لا تعيقها الحادثات القريبة والبعيد على حدٍّ سواء. تحيّة كبيرة للصديق العزيز الشاعر هاني الصلوي وهو يبددُ الكثير من مخاوفنا من مستقبلٍ ملغوم بالخيبات .. وتحيّة أكبر وهو بمعيّة أشقائنا المبدعين والمبدعات العرب يجوبون فيافي الواقع الباهت ليقيمون في طينته البائسة مهرجانات بهجة تمنحنا ما لا يخبو .. وما هو باقٍ في ذاكرة الانتماء الكبير للإبداع والعطاء المستنير.