لم تكن التضحيات السبتمبرية التي قدمها الآباء في سبتمبر التحرير إلا من أجل أن يستنشق اليمنيون هواء الحرية، ويتذوقوا طعم الكرامة، ويثبتوا أيضا أن الأحرار اليمنيين لم ولن يقبلوا الوصاية من أحد. لقد تمكن الأئمة في حكم اليمن من خلال العزف على وتر الدين، حيث لعبوا على الناس وأوهموهم أن الدين قد أعطاهم الحق في الحكم دون غيرهم، بل كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم - حسب زعمهم - أنه لا يحق لأحد الحكم إلا من كان من نسل الحسن والحسين رضي الله عنهما. ومن لم يحالفه الحظ ولم يكن من نسل هذين البطنين فلا يمتلك أي من مؤهلات الحكم والقيادة. ليس الغريب أن يتبنى الأئمة هذه الفكرة، لأنهم عملوا على تجهيل الشعب أولاً، ثم من خلال بوابة الجهل استطاعوا أن يمرروا تلك الأكاذيب والأباطيل والأوهام، لكن الغريب من ينادي اليوم بهذه الفكرة، معتقدين بطلان أي حكم لا يرتبط بهم أو بأحد أبنائهم. فهو نوع من اللاوعي السياسي، في ظل ثورة نُظُم المعرفة والمعلومات في عصرنا الحديث. تبدو الصورة أوضح عندما نتكلم عن الحوثيين، الذين قاطعوا انتخاب رئيس اليمن الجديد عبدربه منصور في 21 نوفمبر 2011م لا من منطلق سياسي، بل من منطلق ديني، يعطي الحوثيين الحق في الحكم دون غيرهم، هكذا يزعمون. والسؤال هنا، متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعاة التوريث، حتى يعطى الحق لأقربائه في حكم الناس دون غيرهم، لقد مات عليه الصلاة والسلام وترك أمر الحكم للناس جميعا يقررون ما تمليه مصلحتهم، لأن قضايا الحكم من شؤون الدنيا لا علاقة لها بالدين، والرحمة هنا لعلي عبدالرازق الذي أكد أن قضايا الحكم “لا شأن للدين بها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة. فلا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يبنوا قواعد مُلكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم”. يبدو أن دعاة الإمامة لم يستوعبوا دروس ثورة سبتمبر وأكتوبر وفبراير جيداً، لقد أسقطت هذه الثورات الكهنوت والكذب والوهم والدجل على الناس، فإذا كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر قد أسقطت من غير رجعة فكرة البطنين، فإن ثورة الحادي عشر من فبراير أسقطت فكرة البطنين وفكرة النهدين أيضاً. ولم يعد بمقدور أي إنسان أن يعتلي منصة الوصاية على الآخرين، لأن الشعوب فهمت الدرس الذي لم يفهمه المستبدون والطغاة ومن يحاول حكم الناس من أبواب غير أبواب الديمقراطية. فمن يعتقد بإمكانية عودة الإمامة والوصاية على اليمنيين، فهو كمن يسبح في الهواء ويحرث في الماء، يعيش في متاهات المكان وعمق الزمان. المشكلة لدى الحوثيين أنهم يعتقدون كأسلافهم من الأئمة بعدم شرعية النظام الجمهوري، والذي يُعد واحداً من أهم أهداف الثورة السبتمبرية، لأن النظام الشرعي حسب رؤيتهم هو النظام الذي يحكمه واحد من الأئمة. الأمر الذي يوجب وفقا لنظرية الإمامة عند الحوثيين إسقاط كل مفاهيم الحكم الديمقراطية، والعودة إلى ما قبل 26 سبتمبر 1962م. واليوم يتكرر السيناريو نفسه، حيث يحاول الحوثيون الاستيلاء على المزيد من المناطق لتحريرها من سلطة الدولة غير الشرعية حسب زعمهم. الأمر الذي يضع أمام الرئيس هادي والأحزاب مسؤولية تاريخية، تتمثل في الحفاظ على وحدة التراب اليمني أرضا وإنسانا. [email protected]