حينما أراد الله تعالى أن ينشئ هذا الكون العظيم ويجعل منه مستقراً وسكناً، خلق له من يعمل على بنائه وتطويره وإعماره، فجعل آدم أول الخلق وأباً للبشرية، بيد أن دور آدم لم يكن كافياً ليحقق ما هو مطلوب منه في تحويل هذه الأرض إلى معمورةٍ يسكنها بنو البشر من بعده، فكانت حواء المخلوقة من ضلع آدم هي المكمل لهذا الدور لتكون أماً لسائر البشر، وهكذا بدأ دور المرأة في إعمار الخلق بقرار إلهي حكيم.. ولأن خالق الخلق أعلم بشؤون خلقه وباحتياجاتهم, فقد خص المرأة بآيات عديدة في قرآنه المجيد يذكر فيها خصائصها واحتياجاتها الإنسانية ودورها الهام في التنشئة والتربية، وكرمها بشرائع تحترم إنسانيتها وكيانها, وتؤكد ضرورة وجودها وإعطائها كافة حقوقها، ولكن رغم تعدد التشريعات الإسلامية المنصفة للمرأة, نلاحظ أن القوانين الوضعية قد اغتصبت الكثير من حقوقها وقللت من شأنها وأضعفت من دورها الشرعي, لاسيما أن تلك القوانين قد وضعت بأيدي رجال تجاهلوا ما تتكبده المرأة من ألم وجهد ومشقة لتتم دورها كزوجة وأم ومربية, خاصة وأن هذا الدور قد تعاظم مع مر السنين وتطور الحياة وازدياد صعوباتها, وباتت المرأة مطالبة في أغلب الأحيان بالخروج إلى ميدان العمل ليضيف ذلك إلى أعبائها عبئاً آخر, دون أدنى مبالاة من مسني القوانين ودون أي تقدير من المجتمع لهذا الدور المتعاظم والذي تقوم به عن طيب خاطر.. ومع أن الإهمال المتعمد في القوانين والتشريعات الإنسانية قد أضر بالمرأة كثيراً إلا أنها لم تستسلم لآلامها وجروحها ومكامن ضعفها، بل ظلت تقاوم وتجاهد لتستمر في عطائها المتزايد, فنجدها قد استطاعت أن تصل إلى أدوار قيادية مختلفة يصعب نكرانها, فهي المعلمة والطبيبة والمهندسة والقاضية والسفيرة والنائبة, وغيرها من الأدوار التي لا مجال لحصرها الآن, المؤلم في الأمر أن تلك الأدوار المؤثرة قد جعلت بني الرجال يشعرون بالغيرة والغضب كونها - حسب تفسيرهم - محاولة آثمة لاغتيال أدوارهم لتستبدلها المرأة بوجودها, مما يؤثر في الميزان التشريعي الذي فرض القوامة للرجل، وهذا التفسير الخاطئ للقوامة جعل من بعض الرجال أنداداً للوجود النسائي الذي يسعون دائماً لطمسه واستخدام القانون كسلاح لإضعافه وتفتيت قواه، فجاءت القوانين المدنية هاضمة لحقوقها في العمل والتعليم والسكن والنكاح والطلاق والحضانة والإنفاق، بينما أعطت في المقابل للرجل حقوقاً لا متناهية تجعل منه ملكاً متربعاً على عرش البشرية, لا قواماً على المرأة فحسب، ولا ندري إلى أي مدى سيستمر هذا الغبن الواقع على النساء حتى مع تطور الحياة والانفتاح على المجتمعات الأخرى, وتعدد الثقافات الذي لم يغير كثيراً في بعض العقول الذكورية المريضة والتي ترى في أي ميزة تعطى للمرأة محاولة للخروج من جلباب الرجل.. ومازالت المرأة تعمل وتجاهد وتحاول, على أمل أن تلقى شيئاً من الإنصاف من قبل المجتمع , كما أنصفها الدين الإسلامي الحنيف, يعادل ولو نصف الجهد المبذول منها من أجل رفعة المجتمع, وبناء الكون واستمرارية الخلق.