منذ خمسة عقود هي عمر الثورة اليمنية وماتزال إشكالية السلطة قائمة رغم كل الخطابات ودعوات التغيير فرغائب السلطة تتسع دوائرها الجهنمية باتساع دوائر النفوذ وتتعدد مراكز الهيمنة وتفاقم مؤشرات الاحتراب بين الحين والآخر وعلى امتداد مسار تاريخي طويل حافل بالصراعات. فعلى مدار عدة حروب اشتعلت فيها أحقاد وضغائن هواة السلطة تباروا خلالها بالإحاطة بالآخر وسلبه هويته الوطنية وهذه من أخطر مراحل الاستبداد السياسي وأسوأ اشكاله وأقبح مظاهره حيث وئد مستقبل البلاد رغم التسربل بمسوح الديمقراطية ورتوش الحرية التي أضحت منه يمنُّ بها الحاكم على الشعب وليس استحقاقاً وطنياً واعتقد أن الحالة القريبة والراهنة التي خرجت اليمن منها في 94م اقتتلنا فيها كأَلد الأعداء خرجنا جميعاً خاسرين حيث أهدرت عشرات المليارات ودمر الاقتصاد والذي انحدر انحداراً مخيفاً ناهيك عن آلاف القتلى والجرحى، والمعاقين والأيتام والثكالى من أبناء الوطن الواحد وفي حالة كهذه يصبح من العار أن يدعي أحدٌ أنه قد انتصر وهذا ماأثبتته الأيام بل ويغدو الحديث عن مشروعية تلك الحرب من عدمه ضرباً من السفسطة والجدل العقيم وحتى الثورة التي فرح بها اليمنيون لأنها خلصتهم من عهود الاستبداد استيقظوا بعدها على حروب عديدة أسقطت أكذوبة التصالح الوطني التي طالما رفعها الساسة بعد كل حرب. إن اشكالية السلطة تبدو ظاهرة الملامح وكأَنّ شيطاناً لعيناً يُطل برأسه عند كل هدنة ليصحو الجميع على فاجعة دامية وبعد كل دعوى لتناسي جراحات الماضي والسمو عليها والبدء من جديد نفاجأ بإرهاصات جديدة وخطيرة تبدأ بسعار إعلامي يحتكر الحقيقة ويغلف خطابه بالوطنية والسيادة والمصلحة العُليا وأي موقف سياسي مغاير أو مبادرة وطنية حرة تأتي من خارج نطاقه تقمع وتثأر حولها الشكوك. وإن حظيت بدعم شعبي وإجماع وطني والمتابع المحلل للواقع السياسي للأمس واليوم يدرك جيداً من هم مشعلو الفتن والحروب الذين يجهضون كل محاولة من شأنها رأب الصدع وإعادة اللحمة حيث يطلُّون بوجوههم الشيطانية عند كل نقطة إلتقاء ليغتالوا فرحة الجميع ويصادروا حقنا في الحياة بصناعة الأزمات فهؤلاء قد اعتادوا على أن يقتاتوا من أوجاعنا وآلامنا ليفرضوا علينا رضوخ الصيغة أحادية الحكم الشمولي موزعين الاتهامات المجانية ضد أي رأي آخر، وفي ظل تلك الأجواء المشحونة بخطابات الأزمة كانت تقمع وهذا القمع يطال حتى أبسط الحقوق الإنسانية في الحياة الكريمة وعلى سبيل المثال أدرك الجميع أن ماأسمي بقرارات العفو المتتالية التي لحقت حرب صيف 94م أثبتت الأيام أنها ليست أكثر من أوراق سياسية للتلاعب بمشاعر شعب مثخن بجراح تلكم الحرب ونتائجها الدامية، فهي ليست نابعة عن قناعات إنما كانت نابعة من دوافع ونوابع تكتيكية للنيل من طرف آخر وهذه أقذر وأبشع الأساليب السياسية حين تقزم القيم ويتحول الاصطفاف الوطني والسلم الإجتماعي والوفاق السياسي إلى لافتات ترفع وتنزع في أي وقت ومتى يريد المنتصر مع أن تلك الحروب علّمت الجميع أنه لايوجد منتصر في سجلات الصراع السياسي لأي بلد لأن الجميع يغرق في مستنقع تلكم الصراعات خصوصاً وأن معظم صراعاتنا نحن اليمنيين سببها السلطة ورغبات التسلط التي لم تغادر بعد مواقعها وما تزال أصابعها على الزناد لإشعال نار الحرب تبدو هذه المرة مغايرة لكل الحروب السابقة فهي حرب تستهدف آدمية الإنسان وكرامة المواطن بتغييب سماته الإنسانية وتعطيل وعيه ومسخه مسخاً كاملاً روحاً وتكويناً فدمتم حكاماً بلا شعب. ولقد استشرف شاعر اليمن البردوني ذلك فقال :- حيث كُنّا كما أراد الإمام كل دعوى ..منا..علينا إتهامُ جرحتنا الحروب في غير شيءٍ وبلا غايةٍ وهان السّلامُ الرُّكام الذي نفضناهُ عنَّا ذات يومٍ له علينا ازدحامُ والأباةُ الّذين بالأمس ثاروا أيقظوا حولنا الّذئاب وناموا ربّما أحسنوا البدايات لكن هل يحسون كيف ساءَ الختام؟