في سنة 1993م صرح صحفي ياباني بارز (لقد ولت تلك الأيام عندما كانت الولاياتالمتحدة تعطس فتصاب آسيا بالزكام) ويضيف مسئول ماليزي إلى هذا المجاز الطبي (حتى الحمى الشديدة في أمريكا لن تجعل آسيا تسعل) ويقول زعيم أسيوي آخر(الآن الأسيويون في نهاية حقبة الرهبة وبداية حقبة الردة بقوة) في إشارة إلى علاقاتهم بالولاياتالمتحدةالأمريكية..ويقول الأسيويون إن ذلك يعني أن الغرب يفقد وبسرعة قدرته على جعل المجتمعات الأسيوية تعمل وفق المعايير الغربية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وغيرها من القيم. النمور الأسيوية بنوا نهضة اقتصادية قوية تكاد توازي النهضة الأوربية التي بدأت في القرن ال(19) بعد الثورة على أنظمة الحكم..الأسيويون يحاولون اليوم التفوق على الغرب ليس في النهضة الصناعية فحسب بل في حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب ..ومن تلك الدول الأسيوية من أخذت موضوع حقوق الإنسان من التراث الإسلامي ..أعرف أن أحداً قد لا يعجبه ذلك لكنها الحقيقة..حقيقة أن الإسلام حفظ للإنسان حقه مسلما كان أم على ديانة أخرى ومن ير يد التأكد فعليه العودة إلى التراث الإسلامي الذي عني بهذه الحقوق, وللتبسيط يمكن العودة إلى كتاب (محمد عابد الجابري)الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي يحتوي على مقاربة تاريخية ومقارنة بالطبع بين حقوق الإنسان في الغرب المسيحي والشرق المسلم وهو كتاب موضوعي على كل حال ..وعودة إلى النهضة الصناعية التي أخذ منها العرب الجانب السلبي ..لا ما يتناسب مع تراثنا الإسلامي ظل التأخر هو رديفنا الدائم ..نفتح نوافذنا ولا نستطع إغلاقها أمام تلك السلبية ..كان لهذا الوافد صدى يتوجب التصدي له بالعقل بعيدا عن التعصب, فظهر رائد النهضة العربية الامام (محمد عبده) الذي توفي في العام 1905م وسبقه جمال الدين الأفغاني,عبده انطلق من ضرورة إحياء التراث بالعودة إلى الاجتهاد في مشكلات العصر وأخذ ما يتناسب من التراث مع مقتضيات العصر بمعني آخر أعمال العقل في كل القضايا وعدم الاكتفاء بالنقل وحده وتغييب العقل كليا, إلى جانب القبول بما يتناسب من نهضة الغرب مع تراثنا,ومن المعلوم أن الاجتهاد كان قد أغلق منذ أن بدأ الملك العضو ض في العصر الأموي كما يسميه الجابري ذلك العصر باستثناء عمر بن عبد العزيز سخر الدين في خدمة السياسة واعتبر حكمه قدراً من الله ..تاريخنا البعيد والقريب مليء بالحوادث التي تعرض لها علماء الأمة من تنكيل مارسته أنظمة الحكم الملكية الاستبدادية وابن رشد أحد العلماء الذين نكل بهم وأحرقت كتبه مع أن النهضة الأوربية اعتمدت على جزء كبير من مؤلفات هذا العملاق العربي وغيره من علماء المسلمين الذين مجدوا العقل واتخذوا من التفكير موجها للنهضة ..ولم يتسن للغرب ذلك إلا بعد أن ثاروا على الكنيسة اللاهوتية التي اتخذت من النصوص الدينية محركا لكل عصر..السؤال الآن لماذا تأخر العرب رغم وجود علماء كثر عبر التاريخ الإسلامي؟ هل أنظمة الحكم المستبدة والاستعمار كانا السبب الرئيسي لهذا التأخر سبقه في ذلك جمود العقل العربي,أم غياب المؤسسات العلمية الفاعلة؟ بتصوري أن كل العوامل ساعدت في هذا الوضع القاتم الذي يعيشه العرب.. الغرب لم ينهض إلا بعد أن عمت الثورات.. ثورات على الاستبداد أولا ثم على الكنيسة.. الأول سياسي والآخر ديني..السؤال الثاني بعد ثورات الربيع العربي.. هل يستطيع العرب النهوض؟ من وجهة نظر الكثير من المفكرين العرب؟ لن يتسنى لهم ذلك إلا إذا كان العقل والدين في منزلة واحدة ولا يمكن فصل احدهما عن الآخر والأخذ من الآخر الغرب ما يناسب تراثنا الإسلامي المعتمد على النص الديني والعقل. بالاجتهاد والاجتهاد وحده يتمثل الحل لمشكلات العصر في كل مجالات الحياة وهنا يتجلى العقل ..بدون ذلك لن نتقدم, وسنلقي هذا الأمر على عاتق أنظمة الحكم الجديدة التي أفرزتها ثورات الربيع العربي وهو الجانب السياسي في معادلة اليوم..دعونا من الأمس الآن ..بتعبير آخر نحن بحاجة إلى قتل (قابيل) الزراعة كما قتل (قابيل )(هابيل) الزراعة لتبدأ مرحلة الصناعة كما قال المفكر والفيلسوف(زكي نجيب محمود) فهل سيفعل العرب ذلك؟ إنا لمنتظرون.