هل سقطت المرأة قيمياً وأخلاقياً وأسقطت معها المجتمع؟! ، أم أن المجتمع هو من سقط وأسقطها معه؟! .. ليس هذا هو المهم ، وإنما هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها هي أن المرأة بالفعل قد سقطت وفقدت جزءاً كبيراً من قدرها .. وهي من تمثل نصف المجتمع ، وتحتضن النصف الآخر - أماً وزوجة- وهنا تكمن الكارثة .. خلال الأيام القليلة الماضية سمعنا عن سرقة قطعة ذهبية كبيرة من محل مجوهرات ، وكان الفاعل امرأة ، كما رأيت بأم عيني حادثتين أخريتين لسرقة ملابس ، والفاعل كذلك امرأة .. حقيقة لا يمكن تبرير جُرم السرقة بأي حال من الأحوال سواء كان السارق رجلاً أم امرأة _ خاصة وأنها لم تسرق لإشباع جوعها أو إسكات أطفالها _ مع الاعتراف بالوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي يعانيه شعبنا اليمني منذ سنوات ، غير أن معايشتي لموقف ضرب المرأة السارقة من قبل صاحب محل الملابس بكل قسوة وعنف أصابني بالذهول والحزن معاً ، ما تصورت في يوم من الأيام أن تُضرب المرأة في الشارع وعلى مرأى ومسمع من الناس في مجتمعنا اليمني الكريم المحافظ .. ما تصورت أن تُعرى المرأة من رداء القداسة والحرمة الذي لفها لعشرات بل ومئات السنين ، وما تصورت أن يفقد الرجل اليمني رجولته ومروءته ، ويتخلى عن قوته المعنوية ويستبدلها بالاستقواء الجسدي واستعراض العضلات .. كل من سمع مني القصة كان رده الحاسم (تستاهل) هي من أتت به لنفسها ، هي من أهانت نفسها ، هي من وضعت نفسها في هذا الموقف الشنيع ، هي التي لم تحترم نفسها وعرضتها للإهانة ! كان أحرى بها أن تستعطف الرجل إن كانت بحاجة حقيقية لقطعة الملابس الصوفية ، لا أن تسرقها ! وأنا كذلك أقول (تستاهل) ، ولكن صدقوني لقد شعرت بأن الضرب واللكمات والإهانة وجهت لي أنا شخصياً وشعرت بشيء من الذل والضعف .. تساءلت في قرارة نفسي ماذا لو حدث هذا الأمر قبل عشرين عاماً؟! هل كانت هذه المرأة السارقة ستضرب بهذا الشكل المهين والقاسي؟! هل كان مجتمع المشاهدين سيغض الطرف ويلتزم الحياد ؟! أتصور بأن السيناريو كان سيأخذ شكلاً آخر ، وربما هب الجميع لإنقاذ المرأة من بين يدي الرجل صاحب المحل دون أي استفسار أو استفهام .. بل ربما تلقى هو الضرب والإهانة بدلاً عنها ، وربما ما تجرأ الرجل أساساً على رفع يده عليها مهما كان حجم السرقة..! ومع ذلك فشتان بين امرأة تُضرب لأنها استسلمت لرغباتها الدنيئة ، وقادتها نفسها الضعيفة إلى سبل الذل والهوان ، فهذه وبصدق تستثير الإشفاق عليها والتألم لأجلها ، وبين من اُعتدى عليها وتعرضت للرصاص الحي والغازات السامة ، لأنها تسامت على رغباتها البسيطة وارتقت بنفسها ، وفي كثير من الأحيان زاحمت الرجل على موقع الصدارة والبطولة وتفوقت عليه بكل جدارة ، وخرجت إلى الشوارع في الفعاليات الثورية طلباً للكرامة والعزة لها ولوطنها ، فهذه لم تزد إلا رقياً وكرامة وقدراً ، وإن سالت دماها على الأرض ، أو فقدت جزءاً من جسدها ، أو حتى فقدت حياتها .. وهذه لم أشعر للحظة بالإشفاق عليها ، بل كانت محط الإعجاب والإكبار _وإن حاول البعض إظهار غير ذلك لأسباب مختلفة _ أخيراً هل تعي المرأة الطاقات الجبارة الكامنة داخلها ، والخصوصية التي تتمتع بها ، وتكون على قدر المسؤولية المناطة بها ، وترتق باهتماماتها وتتعالى على سفاسف الأمور وتعلو همتها فيرتقي معها المجتمع بأسره ؟! وهل يعي المجتمع هذا الدور للمرأة ابتداءً من الأسرة والمدرسة ، ومروراً بالجمعيات النسوية ، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ، وانتهاءً بصناع القرار، ويحفظون لها كرامتها ، ويعيدون لها قدسيتها ، ويحرصون على تعليمها ، وحفظ حقوقها ، ومراعاة خصوصيتها النفسية والفسيولوجية ، من أجل مجتمع أكثر استقراراً وأمناً وأكثر صلاحاً وعطاءً ، في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية متقلبة.