تطلعت والدهشة تشل عضلات وجهي .. تجمدت وسكنت مشاعري .. سكنت وسكن الكون معي .. وتأججت مشاعر رحمة ومودة .. مشاعر معها الكون أجمل .. في مشهد دراماتيكي .. وفي لحظة توقف العالم فيها أمام عيني وتصور الكون أمامي في صورة ولا أروع. شاهدت شاباً عشرينياً أتى مهرولاً متجهاً إلى الجهة المقابلة للرصيف .. كان أمامه كهل مسن يمشي الهوينى متوكئاً على عصاه التي تحكي تاريخ حياة عاشها . الشارع مليء بالمارة والسيارات. أشرق وجه الشاب وهو يقول: جدي لمَ لم تنتظرني؟ .. وفجأةً انحنى على ركبتي جده يقبلهما والجد يمنعه ويجذبه إلى الأعلى مقبلاً حفيده. يا الله .. ما الذي أراه ... كل معاني الوفاء والرحمة تجلت أمامي .. امتلأت عيني بالدموع. موقف تجلت فيه مبادئ السمو والعلو ومكارم الأخلاق. وعادت بي الذاكرة إلى أيام الزمن الجميل زمناً تعلمنا فيه إجلال وتقدير واحترام الكبير . والرحمة والشفقة والعطف على الصغير. وبدأت أتذكر موروثاتنا وعاداتنا وكيف كانت تربيتنا وما فيه أبناؤنا اليوم. تذكرت كيف جرت العادة بضرورة زيارة أقاربنا الكبار في السن كل يوم جمعة .. وفي المناسبات والأعياد .. كيف كنا نجري مهرولين ومرتمين في أحضانهم مقبلين أيديهم وأرجلهم بحب وشغف يسع الكون .. وهم محتضنون لنا ضامينا إلى صدروهم بعطف وحب، مقبلين لنا .. مبتسمين ويضحكون في سعادة عارمة. عادات لها من الآثار النفسية والاجتماعية الدور الكبير في بناء المجتمع وغرس مبادئ المحبة والإحساس بجمال الكون وشاعريته. عُدت إلى ما أراه اليوم وشعرت بغصة تحرق قلبي لما يعيشه أبناؤنا هذه الأيام في ظل غياب واندثار عادات وتقاليد كانت من أجمل ما في حياتنا. وترجمة لمشاعر وأحاسيس نبيلة وراقية وذات دلالات إنسانية رائعة. اليوم أصبحت حياة أبنائنا جامدة وباردة برود حياة الحداثة والمدنية التي يعيشونها. فلم تعد نرى أبناءنا بتلك المشاعر الفياضة والأحاسيس المرهفة. أقُتلت المشاعر الإنسانية وماتت مع حديد وخرسانة الحداثة والتطور؟!. أأصبح تقبيلنا لكبار السن والارتماء في أحضانهم موضوعاً للتندر والسخرية ..؟! هذا الشاب لم يخجل وارتمى وقبّل جدّه على ركبتيه في الشارع في منظر ترجم عمق الروابط الإنسانية. وأحيا بداخلي ذكريات تمنيت حينها بأن جدي على قيد الحياة لأرتمي مقبلاً يديه وركبتيه لأشعر بدفء الكون في أحضانه وهو يرفعني ويضمني إلى صدره. اليوم أقولها بل أصرخ رافعةً صوتي: أصبحنا بحاجة إلى عاداتنا وموروثاتنا القديمة .. أصبحنا في حاجة لإحياء إنسانيتنا .. أصبحنا بحاجة لمشاعر المودة والرحمة .. العيد على الأبواب .. فاغتنموها فرصةً وأحيوا ما مات. وكل عام وأنتم بخير . ودمتم ،،،