كثر الحديث عن الحوار الوطني وهناك أمور قد أصبحت من المسلمات والبديهيات ومن المؤكد بأن هناك قضايا كثيرة ليس أقلها القضايا الاجتماعية وخاصة ما يتعلق بحقوق المرأة والطفل وزواج الصغيرات وتجارة الرقيق والأطفال وغيرها من المشكلات الهامة التي عانت وتعاني منها اليمن ، لكن أهمها وفي مقدمتها المشكلة السياسية وبدرجة رئيسية شكل نظام الحكم والدولة التي نريدها ويريدها الشعب اليمني وبعد ذلك استيعاب تلك القضايا في الدستور القادم . وقبل أن يبدأ الحوار بأشهر ،علينا معالجة القضايا التي طرحت من قبل عدة أشهر ومنها الاعتذار لمن تضرروا في حروب صيف عام 1994م وحروب صعدة وإعادة الموظفين المفصولين والموقوفين إلى مواقع أعمالهم . والمفروض فيما يتعلق بالجانب السياسي وشكل نظام الدولة الاقتصادي والاجتماعي أن نبدأ من حيث انتهى المتحاورون السابقون في عام 1994م .. وتحديدا من خلاصات الحوار الذي جرى بين اليمنيين لنحو ما يقرب من عام كامل وكان هناك إجماع عليها وهي المواد التي تضمنتها وثيقة العهد والاتفاق . لا نعرف إن كانت اللجنة التحضيرية الفنية للحوار الوطني قد وضعت وثيقة العهد والاتفاق على أجندتها السياسية أم لا ؟ .. مع أنه سيكون من الغباء أن نتجاهل تلك الحوارات التي وصلنا إليها في تلك الفترة وسيكون الحوار المرتقب نوعاً من العبث الذي سيكلف اليمنيين كثيرا وربما يوصلهم إلى حروب جديدة . لقد تأكد من خلال الدراسات والبحوث العلمية بأن المجتمع اليمني يتكون من عدد من الأقاليم ، لكل إقليم خصوصياته الاجتماعية والاقتصادية مع اختلاف العادات والتقاليد والأعراف وليس من العدل فرض أعراف قبلية جاهلية لتحكم مواطنين تعودوا على النظام والقانون كسكان المحافظات الجنوبية والشرقية وسكان جنوب الشمال . والوحدة الاندماجية ستكون كارثة في المستقبل كما كانت كارثة في الماضي ، فقد أدت إلى تجميد النمو والتنمية في معظم الأقاليم اليمنية ، انتظارا للنهوض في مناطق قبلية ولم تتحقق التنمية المطلوبة في الإقليم القبلي ، بل عمل نظام الرئيس السابق وعلى مدى ثلاثة وثلاثين عاما على تنمية التخلف في هذا الإقليم الذي يمتد من ذمار إلى أقاصي صعدة ومحاولة إشاعة التخلف وتنميته في الأقاليم الأخرى . ولن يستطيع النظام السابق إعادة إنتاج نفسه من خلال الحوار لأن الثورة الشعبية الشبابية السلمية لا زالت ممتدة في الميادين على مستوى الجمهورية وفي أذهان الملايين من اليمنيين ووجود وحدة اندماجية يضر بالأقاليم المنتجة للثروة ، حيث هناك أقاليم تنتج الثروة وأقاليم أخرى تستأثر بالثروة وتستولي على الناتج القومي دون المساهمة في إنتاجه، فالإقليم القبلي أو من يعتبرون أنفسهم اليمنيين الخلص لا بد لهم من حكومة محلية تحافظ على خصوصيتهم وأصالة يمنيتهم وتنمية هذه الأصالة وينبغي أن يكون هناك حكومة مركزية اتحادية تضم كل الأقاليم ويكون من صلب مهامها بناء الاقتصاد القومي وتعزيز قوة العملة الموحدة والسياسة الخارجية والدفاع عن السيادة اليمنية وبحيث يساهم كل إقليم من الأقاليم الخمسة ومن ناتجه المحلي ب20 % إلى 25 % من إيرادات الحكومة المركزية الاتحادية . كان محمد أحمد نعمان رحمه الله قد وضع خلاصة لآراء أحرار 1948م في كتاب اسماه «من وراء الأسوار» وهو عبارة عن جملة حوارات، استنتج من خلالها أسباب الفشل الذي لحق بثورة 1948م ، لكن المثقفين اليمنيين ركبوا الموجة العالمية للأممية والقومية وحركة الإخوان المسلمين في مصر ولم ينظروا إلى خصوصية واقعهم ولكي يستمر اليمنيون في وحدتهم فإن أفضل شكل للحفاظ على وحدة اليمن هي الدولة الاتحادية الديمقراطية التي تتمتع بحرية الصحافة وحرية الفكر وحرية المذاهب والمعتقدات واستقلالية القضاء على المستويين المحلي والمركزي وحرية تنقل رؤوس الأموال والأيدي العاملة بين الأقاليم المختلفة .. بالإضافة إلى التنصيص على تحييد الجيش عن العمل السياسي وتكون مهمته حماية السيادة الوطنية ويكون موقعه في الثغور وليس داخل التجمعات السكانية. وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في العاصمة الأردنية عمان عام 1994م قبل اندلاع حرب صيف عام 94م قسمت اليمن إلى خمسة أقاليم وأسمتها ( مخاليف )، انطلاقا من تسمية تاريخية ووضعت أشياء رائعة وأنا أرى كباحث سياسي وكصحافي بأن الحوار الوطني يجب أن ينطلق من وثيقة العهد والاتفاق وسيكون من البلادة أن يبدؤوا الحوار من الصفر أو من وصفات خارجية جاهزة . كما ينبغي الاستفادة مما طرحه الباحث والمثقف السياسي الكبير زيد بن علي الوزير الذي ألف كتابا دعا فيه إلى وحدة لا مركزية (فيدرالية )، انطلاقا من دراسة الباحث للوحدة السويسرية واطلاعه على التنوع في المجتمع السويسري .. منوها إلى أن الوحدة اليمنية ينبغي أن تكون كالوحدة السويسرية بحكم الخصائص المشتركة بين المجتمعين اليمني والسويسري من حيث التنوع الثقافي والاجتماعي والعرقي . رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=460300130675734&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater