تحت عنوان: (لبنانواليمن وجهان لأزمة واحدة) كتبت في هذه الصحيفة بتاريخ 4/12/2010م وقلت: ما الذي يريده المواطن في بلادي؟ فكانت الإجابة بسيطة بساطة مطالب هذا المواطن الذي يريد أن تكون بلاده واحة للديمقراطية، يحلم بأن تتوفر له الحدود الدنيا من الحياة الأمنية، يحلم بلمعة ضوء يضيء له الطريق ليتعرف على مكانه حتى لا يتوه في هذه الرقعة من الأرض، يحلم بأن يتوقف أولئك الذين يتغنون بالوطن ويرفعون شعار الوطنية وهم في الحقيقة يغتالون الهوية الوطنية ويطفئون لمعة الضوء التي لمعت في 22مايو1990م. ولست بحاجة للقول: إن كتاباتي عبر صحيفتي (الجمهورية) أو (الثورة) كانت معبأة بمضامين تحمل الكثير من التنبيه لما هو قادم، وقد شهدت اليمن خلال العامين الماضيين حراكاً سياسياً لم تشهد له مثيلاً في السابق، وهو حراك أدمى القلوب؛ ليس بسبب اختلاف وجهات النظر حول المسائل الوطنية ولا بسبب الفساد فذلك هو الظاهر والذريعة ليس إلا الذي اتخذته أحزاب اللقاء المشترك والقوى القبلية شعاراً لها. لقد كان الأمر أعمق من ذلك بكثير فقد تحول الصراع إلى شيء من العنف وجر الوطن بكامله إلى تداعيات جعلت الخلاف يتحول من خلاف سياسي إلى مس بالأشخاص والثوابت، لقد قلت في كثير من مقالاتي ومقابلاتي التلفزيونية: إن اليمن تحتاج إلى حزمة إصلاحات متكاملة تقوم بها الدولة، وللأسف فإن الأحزاب السياسية اليمنية لم تنجح في بناء مشروع تنمية شاملة أو حتى الاتفاق على قضايا اجتماعية تهم المجتمع اليمني، فكانت النتيجة هي الاصطفاف على أسس إما قبلية أو مناطقية أو طائفية. أما السلطة السابقة فقد أفرطت في التجاهل حتى ترهلت ومن ثم سقطت وكان بإمكانها أن تنظر بجدية لإصلاح المواطنة المتساوية، على أن يكون الجميع متمتعاً بالحقوق ومتحملاً للواجبات دون تفرقة ظاهرة أو باطنة. وكان بإمكانها أيضاً أن تعمل إصلاحات اقتصادية وإدارية وتغيير البناء البيروقراطي الذي أثقلته إلى حد الشلل الممارسات الشخصانية، وأقعد إلى حد السفه عمل الدولة. ومن الواضح أن صراع الأحزاب السياسية اليمنية كما صراع القبائل قد أديا إلى تراجع أداء مؤسسات الدولة وفككا الروابط المؤسسية وأفقداها الدور الذي تقوم به هذه المؤسسات في حماية كيان الدولة. أما الأزمة فقد أدت إلى فراغ مؤسسي مما جعل بعض القوى تتصرف بسلوك عدواني بغية فرض شرائع وموازين قوة جديدة، وقد أصبح التمرد اتجاهاً عاماً أصاب الوطن كله وفاقم التفكك المجتمعي، وهو في طريقه إلى تحويل الجسد الواحد إلى أجساد ضعيفة يأكل بعضها بعضاً، ونتيجة للعملية الانقلابية التي مر بها الوطن وتشكيل حكومة الأزمة، فإن المؤسسات تحولت إلى مجرد ديكور أو بناء فارغ من المضمون، وها هي الفجوة تزيد بين الناس وهذه المؤسسات لتبدأ رحلة الانهيار. إن الأحداث التي تجري في تعز تجسد حالة الانهيار التي نقصدها؛ فالمليشيات المسلحة تقطع شارع جمال بالقوة، ولم يستطع المحافظ عمل شيء، وفي سمارة يقطع مسلحون طريق صنعاء – تعز ولم تحرك وزارة الداخلية ساكناً، وأنبوب النفط في مأرب يتعرض للتفجير أكثر من مرة، ومثله الكهرباء والغاز، ولا غريم حتى اليوم، والجميع صامت، وفي السياسة شيء من هذا القبيل؛ فهناك مظاهرات تطلب إسقاط قائد الحرس الجمهوري، وهناك اغتيالات شبه يومية لضباط من الأمن..المشترك بين هذه الأمثلة التي أوردتها أنها جميعاً تفرض منطق القوة وترفض منطق القانون والحق والمصلحة الوطنية، وفي كل ذلك لا يوجد موقف رسمي واضح لا من الحكومة ولا من الأحزاب التي تقتسم السلطة. نحن إذاً أمام شريعة الغاب بمستويات مختلفة، ونحن كذلك أمام حكومة مشغولة بأمور ليس من بينها القيام بوظائفها الحقيقية المتعلقة بفرض القانون ومواجهة مظاهر التمرد مهما تكن صغيرة، وحماية النظام العام وتأمين المواطن أمنياً واقتصادياً. إن المطلوب اليوم هو تشكيل كتلة من أهل الخبرة والرأي والجيل الجديد من الشباب لإحداث نقلة نوعية حقيقية في مسألة التغيير بعيداً عن التكسب السياسي الآني الذي يدخل المجتمع في صراع عبثي. لقد تقوقعت القوى السياسية وبعض القوى القبلية خلف متاريس الشعارات، وارتبط هؤلاء بالمخارج، وجلبوا لليمن نزاعات دامية سواء كانت بسوء طوية أو حسنة نية. نحن أمام فوضى وعنف، ونحتاج إلى قوى جديدة تخرج الوطن من هذه الفوضى والعنف بأقل الأضرار، وعلينا أن نربط النتائج بالأسباب التي أدت إليها؛ فالجميع يتكلم عن الدولة المدنية، لكن ذلك يحتاج إلى تفكير علمي؛ لأن الدولة المدنية لا تخضع للصدف ولا للأهواء ولا للتكسب السياسي الذي استشرى إلى حد المرض.. الحماس الأعمى للمشاعر قادنا خلال الفترة الماضية إلى الانقياد العاطفي غير السوي، فغاب العقل حتى هدمنا الهيكل على جميع المصلين..! رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=462560633783017&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater