هذ العنوان مستمد من لازمة رددها الممثل المصري الكبير عادل أدهم في أحد افلامه، وقد ذكرتني بها الازمة الدستورية السياسية الحالية في مصر التي أثارها الاعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس الاخواني المصري. ومن الوهلة الأولى بدا لي أن الرئيس الاخواني يحاول تكرار خطوات الرئيس والزعيم الراحل جمال عبدالناصر فيما يتعلق بالسيطرة على مقاليد الامور في البلاد سيطرة مطلقة واغلاق الباب أمام تداولها...فقط لاغير. وهو تكرار يثبت مصداقية مقولة كارل ماركس بأن التاريخ يعيد نفسه، لكنه اذا ظهر في المرة الاولى في صورة مأساة فإنه يعيد نفسه في المرة الثانية في صورة مهزلة. ومن المسلم به أن الوصول إلى السلطة في التنافس الديمقراطي علي الحكم أمر مشروع لا مراء فيه ولكن فقط بشرط ضمان الانتقال السلمي للسلطة، أما اقتناص السلطة بقصد عدم تداولها فأمر مرفوض مبدئيا، وان كان قد تسنى ذلك لعبدالناصر فإن محاولة مرسي تدل على قدر كبير من الغباء يستدل عليه من اختلاف الاحوال بين بدايات عهد عبدالناصر والاحوال اليوم، واختلاف الطبيعة التقنية من الناحية القانونية لتحصين عبد الناصر لقرارات مجلس قيادة الثورة وتحصين مرسي لقراراته، ثم من الاختلاف بين طبيعة الثورتين والقوى التي قامت بهما. كان الجيش المصري هو من قام بثورة يوليو 1952 واصدر مجلس قيادة الثورة المكون من ضباط القوات المسلحة قرارات ثورية كبرى استنادا الى الشرعية الثورية التي كان يحكم بموجبها، فاألغى النظام الملكي، وحظر الاحزاب السياسية، وألغى دستور البلاد، وحكم بشرعية ثورية لامنافس لها، ومن ثم قام بتحصين اجراءاته وقراراته، من اي مساءلة او اعتراض من اي جهة، استنادا الى تلك الشرعية. أما ثورة 25 يناير 2011 فقد قام بها الشعب المصري والتحقت به جماعة الاخوان المسلمين التحاقا بعد رفض للثورة في بداياتها وتردد في الالتحاق بها بعد اشتداد ساعدها، بل ومحاولتها عقد صفقة مع نظام مبارك، في خضم الثورة وذلك في محادثاتهم الشهيرة مع عمر سليمان التي شارك فيها الدكتور محمد مرسي. وقد تولى المجلس العسكري للقوات المسلحة ادارة البلاد وفقا للشرعية الثورية، ولكن اجراءاته تمت تحت رقابة لصيقة من الشعب الذي كان يرفض بعضها احيانا، وقد اصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا في مارس 2011 حل محل الدستور في تحديد الصلاحيات والسلطات القائمة وتلك التي سيجري انتخابها، تمهيدا لاجراء الانتخابات التشريعية ثم الانتخابات الرئاسية، ولم يقم المجلس بتحصين اي من إعلاناته او قراراته. وتم انتخاب البرلمان الذي سرعان ما جرى حله بحكم من المحكمة الدستورية العليا لعوار دستوري في قانون انتخابه، وهوما اصبح معه مجلس الشورى المنتخب بعده مباشرة عرضة للحل لنفس السبب في قضية قيد النظر في المحكمة، وامتد ذلك الى الجمعية التاسيسية التي شكلها البرلمان المنحل لوضع دستور جديد للبلاد وحشد فيها اغلبية من الاسلام السياسي في سقطة تدل على الغباء ، وعلى أساس ان ما بني على باطل فهو باطل. ومن جهة اخرى يظهر ان محاولة مرسي وجماعة الاخوان اقتناص السلطة ومنع تداولها منشؤه الخوف من فقدانها سريعا وهو ماتشي به علامات ونذر سنستعرضها بشيئ من التفصيل. ظهرت أولى العلامات قبل تنصيب مرسي رئيسا عندما تراجع التأييد االشعبي لتيار الإسلام السياسي في منحنى هابط مريع متراجعا بحوالي الثلثين من استفتاء 30 مارس 2011 مرورا بالانتخابات النيابية ووصولاً إلى الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية ، أي من 77 % ممن اجمالي المدلين بأصواتهم، إلى حوالي الربع، وهذا التدهور البالغ حدث في مدى عام واحد فقط، على الرغم من الرشوة الانتخابية وتكفير من لا يصوت لهم. فلو كانت شعبيتهم على حالها اثناء الانتخابات الرئاسية لربما حسم مرشح الإخوان تلك الانتخابات من الجولة الأولى، ومن ثم، فإنه ليس من تفسير لهذا الانهيار إلا تردي شعبية التيار وكونه استفاد من التصويت الكاره لنظام الطاغية المخلوع وقت الاستفتاء على الاعلان الدستوري للمجلس العسكري الذي جاء بعد فترة قصيرة من اسقاط رأس النظام. كان احتياج مرسي شهورا لتشكيل الحكومة قد نسف إدعاء الاخوان الثراء في الكفاءات وقدرتهم علي تشكيل وزارة في ساعات قليلة، وقد اكتشف الجميع إن كل وزير في حكومة الإخوان كان إما وزيرا في حكومة الجنزوري أومعاونا لوزير فيها إن لم يكن أيضا عضوا في حزب مبارك أو لجنة سياساته، حتى إن وزير المالية كان مساعد الهارب يوسف بطرس غالي، لتتأكد ملامح الصفقة مع المجلس العسكري لتمكين الاخوان من اعتلاء سدة الحكم مقابل حماية اعضاء المجلس ووزارة الداخلية بكل أجهزتها الرهيبة لضمان استخدامها في قمع قوى الثورة، وكذلك بنية النظام السابق المتمثلة في المستفيدين منه الممسكين بمفاصل الثروة في البلاد. وقد تواترت المطالبة بإقالة الحكومة حتى لقد قامت دعوة للتظاهر يوم احدى الجمع للمطالبة بإقالة حكومة الاخوان واسقاط النظام كله. أمام هذا الانكشاف شرع الاخوان في السير بخطى متعجلة نحو الاستحواذ على السلطة الأمر الذي أدى الى مزيد من الانكشاف والى توحيد القوى الاجتماعية السياسية المنظمة ضدهم. أولى هذه الخطوات بدات من مجلس الشورى الذي يسيطر عليه الاسلاميون، اذ عمد المجلس الى تعيين المحسوبين عليه على رأس وسائل الاعلام، وهي خطوة اتصفت بالبشاعة والفجور اذ تم اقصاء صحفيين واعلاميين ممتازين وأصحاب مبادئ وسير عطرة. وكانت الخطوة الثانية في الجمعية التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور، حيث قام الاخوان والاسلاميون الذين يشكلون الاغلبية فيها بما يلي: الإبقاء على مجلس الشورى في مسودة الدستور الجديد مع تسميته بمجلس الشيوخ، ومنحه سلطات كبيرة تهمش مجلس النواب؛ اذ نصت مسودة الدستور على حق مجلس الشيوخ في الموافقة على اي تشريع يصدره مجلس النواب كشرط لنفاذه، وسلطات اخرى غير ذلك كما نصت على ان تكون مدته ستة سنوات وأن يعين رئيس الجمهورية ربع اعضائه،. وقد تبين المغزى من ذلك في نص الاعلان الدستوري الذي اصدره مرسي، والذي يحظر على اي جهة او سلطة بما في ذلك القضاء الطعن في دستورية مجلس الشورى، حيث يريد الاخوان تعطيل دور البرلمان القادم وتهميش دوره التشريعي المهم لصالح مجلس الشورى باغلبيته الاخوانية والذي ضمن له الاعلان الدستوري ست سنوات آتية، لأن الاخوان متيقنون من هزيمة ثقيلة ستحيق بهم في انتخابات مجلس النواب القادمة. كما اصرت اغلبية الاسلام السياسي على استخدام قيد شرع الله في مشروع الدستور الذي كان متاحا وقت الكتابة الى أقصى حدوده وأغلظها في تقييد المساواة بين النساء والرجال، حيث قيدها بأحكام الشريعة وليس مبادئها، تلك الأحكام التي يمكن أن تتسع لتأويلات فقهاء التشدد والتي يمكن أن تفتح الباب لتاويلات فقهية رجعية ومتخلفة نجد لها تطبيقات فيما حولنا من دول تدعي الحكم بشرع الله. في مشروع الدستور الحالي، كما يقول الدكتور نادر فرجاني، بكل أسف، اهتدى المتشددون المتنفذون في الجمعية التأسيسية إلى شرط ظاهره الرحمة وباطنه العذاب يقول بما لا يخالف شرع الله. وهو شرط مطاط يفتح باب جحيم التأويلات الفقهية المتشددة لتقييد الحق أو الحرية،ومن الأسف أنه لم تستعمل الشريعة أبدا من أصحاب هذا المعسكر المتشدد لتعزيز حق أو حرية على الرغم من أن المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية السمحة هي في جوهرها حماية لحقوق وحريات إنسانية عليا، وإنما انصب جهد جند ذلك المعسكر، المعسر على الخلق، على التضييق على الحقوق والحريات بدعوى تطبيق شرع الله، وفي هذا مخالفة للأمر الإلهي بالتيسير علي خلقه، وهو مادفع جميع ممثلي القوى السياسية والاجتماعية من غير الاسلام السياسي للانسحاب من التاسيسية تاركين العريان عاريا على منصته. . وقد حصن اعلان مرسي الدستوري قوانين مبارك الديكتاتورية التي تجرم الاضراب والمظاهرات وما سمي بالاحتجاجات الفئوية لنزع سلاح الشعب الوحيد بكل فئاته في مواجهة ديكتاتورية الاخوان، كما حصن الاعلان كل قرارات الرئيس السابقة واللاحقة واسبغ عليها القدسية. بما في ذلك اغلاق وسائل الاعلام وحل النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني التي تناوئ النظام. هناك تفاصيل كثيرة في تصرفات مرسي وجماعة الاخوان تدل على العصبوية والانغلاق، ولعل المكسب الاول الاهم للقوى الثورية المدنية في هذه الازمة هي انها وحدت صفوفهم امام التوغل الاخواني . وخلاصة القول هو ان الثورة المصرية توشك على الدخول في اختبار صعب ودقيق وهو اختبار للثورة واستمراريتها امام السلطة ونواياها التي اسفرت ولا تزال عن كثير من الخبث والتآمر. رابط المقال على الفيس بوك