لا أدري ماذا أصاب أم الدنيا؟ أظنها مرعت وأصابتها عين الحسود ولم تعد المحروسة من العين ومن شر حاسد إذا حسد محروسة، واهتمام أغلب أبناء الأمة العربية بما جرى ويجري في الشقيقة مصر لا يأتي من فراغ لأن الجميع مؤمنون أن ما يحصل في مصر ينعكس أثره سلباً أو إيجاباً على المنطقة العربية برمتها. وحالة المخاض العسير للمولود الجديد قد طالت مدتها غير أني مؤمن أن المخاض يأتي دائماً قبل الولادة وليس بعدها المهم انقضى عامان تقريباً على ثورة 25 يناير ولا زال مصير الثورة وأهدافها التي قامت من أجلها مبنية للمجهول وعامان من الزمن ليسا بالهين خصوصاً وان أكثر مرافق الإنتاج والدخل في الدولة أضحت شبه معطلة منذ اندلاع الثورة وهو ما أثر سلباً على الاقتصاد الوطني ويظهر بجلاء في انكماش الاستثمار الاجنبي وتراجع السياحة وعائداتها التي وصلت لمستوى متدن وغير مسبوق خصوصاً وأن قطاع السياحة يرفد الخزينة المصرية بما لا يقل عن عشرة مليارات دولار سنوياً أي ما نسبته 20 % من أجمالي الناتج القومي المصري، وهناك الانفلات الأمني وارتفاع نسبة المخالفات الأمنية المخلة والمضرة بالأمن المجتمعي وزيادة تدفق الأسلحة غير الشرعية للبلد عبر معابر الحدود مع دول الجوار، والكثير من التحديات التي تواجه الرئيس الجديد الدكتور محمد مرسي.. بيد أن الرئيس مرسي بإعلانه الدستوري الجديد زاد الطين بلة وأضاف مشكلة إلى مشاكل الشعب المصري الذي أرهقته المرحلة المضنية السابقة طيلة عامين وأوشكت أحلامه أن تتبدد بل وازداد معها مخاوفه بعد جمرة العقبة الكبرى التي رماها الرئيس الجديد في عتبة قصر عابدين بما يسمى بالإعلان الدستوري الذي يريد بموجبه جمع كافة السلطات الثلاث في قبضة يده وكأنك يابو زيد ما غزيت وبدلاً من الشروع في بناء نظام الحكم الوليد والجديد الدولة المدنية والنهوض بالوطن وتحقيق العدالة الاجتماعية التي انتفض الشعب المصري بأكمله من أجلها وتوفير المعيشة الكريمة للمواطنين، وبعد أن كان الشعب المصري إبان ثورة يناير كالجسد الواحد مما مكن لثورته النجاح وتوج ذلك النجاح بانتخاب الرئيس محمد مرسي، غير أن الأخير بات يؤرق مضاجع الكثير من أبناء الشعب بسبب قراراته غير الموفقة ولعل آخرها كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وقسمت الشعب الواحد الذي طالب التغيير وكان له ذلك إلى قسمين، والخوف أن العثرات والعقبات تتسع وتزداد والصراعات تحتدم بين الأحزاب المختلفة الحاكم والمعارضة من جهة وبين مؤسسة الرئاسة والسلطة القضائية من جهة ثانية بسبب الإعلان الدستوري، وجل ما نخشاه أن يمتطي الرئيس جواد العناد ولا يلتفت للصرخات المدوية من شريحة كبيرة من أبناء شعبه المطالبين بإلغاء الإعلان الدستوري الجديد وتحدث المواجهة مع الشعب المنقسم على نفسه من ناحية ومع السلطة الحاكمة من ناحية أخرى ويدخل الوطن في أتون صراعات لا يحمد عقباها قد تحصد ما تبقى من الأخضر واليابس، وبدلاً من أن يكون صراع المستقبل بناء ونهضة وتنمية يتحول من صراع حضارات إلى صراع قرارات واعتصامات ومظاهرات ومظاهرات مضادة ويغوص البلد وينشغل في الاختلافات مانحة بذلك الفرصة للثعلب الماكر إسرائيل المتربص بمصر الحبيبة المنتهز لأي فرصة تمكنه من الانقضاض عليها والثأر لهزيمته النكراء أكتوبر 73م التي لم ولن ينساها عدونا اللدود، ومن ظن أن الصهاينة قد تجاوزوا عقدة الهزيمة باتفاقية كامب ديفيد فهو واهم، وهو ما يحتم على أشقائنا في مصر الحبيبة أن يدركوا أن ضياع الوقت واستمرار الخلاف يباعد بين الثورة وأهدافها التي قامت من أجله ويقرب العدو من غايته لأجل ذلك مطلوب من الجميع تقديم التنازلات وغض الطرف عن بعض التجاوزات أقلها في المرحلة الراهنة لتتمكن الدولة الوليدة من النهوض والقيام بواجبها تجاه الوطن والمواطن.