تختلط التوصيفات لما يحدث اليوم على الساحة المصرية من أحداث ،هناك من يراها ثورة مضادة ومن يراها ثورة جديدة واستمراراً للثورة، وبين هذه الآراء المختلفة تتوزع المناكفات والاتهامات والتصادمات أحياناً أخرى . مايحدث اليوم في الساحة المصرية هو نتاج طبيعي لمعضلة حقيقة أفرزتها ثورات الربيع العربي في الواقع ، هي أن هذه الثورات أنتجت معارضة ،ولكنها لم تستطع إنتاج سلطة أو أنظمة ، وهذا ليس معناه أن المعارضة مدمنة الشكوى والتذمر ،فتحركات المعارضة اليوم تعد أمراً طبيعياً ناتجاً عن تغير خارطة المعارضة في البلاد، سواء بدخول قوى معارضة جديدة ما تزال حية ، أو بالعودة الطبيعية للقوى الحاكمة السابقة إلى صفوف المعارضة ، ولكن المعارضة السابقة الخاملة التي أصبحت اليوم في موقع السلطة ، لم تستوعب أن الانتقال من جهة إلى أخرى يغير في قيمة المعادلة ، واحتفظت بنفس قولبتها وإستراتيجتها وخطابها ، وبقيت تتعامل وكأنها معارضة المعارضة وتعاملت مع المعارضة على أنها ما زالت تلك المعارضة الضعيفة ، ولم تدرك إضافة القوى الجديدة ،والقوى الحاكمة السابقة للمعارضة والتي ماتزال تحتفظ بأدوات قادرة على تحريك الشارع . وفي ظل هذا التقولب وخطأ الحسابات لم تستطع جماعة الإخوان المسلمين التقدم في السير في إدارة البلاد بطريقة مواكبة للتحول في فكر وقوة المعارضة ، فلم تجد أمامها سوى أدوات النظام القديم لتحافظ على ما حققته من إنجازات ، وحاولت الهروب من أخطائها ولم توفق في ذلك وخسرت الكثير من مناصريها بسبب غباوة متحدثيها ،أو عدم قدرتها على تجديد خطابها ، بعد أن أصبح خطاب التخوين والحديث عن الشرعية خطابا مستهلكاً ، وكأن الإخوان كانوا يتوقعون أن الحزب الوطني أو من يسمونهم الفلول سيتبخرون ،أليس من الطبيعي أن يعودوا لمعارضة الإخوان. هذا الواقع لايمكن فصله عن الماضي القريب والمدخلات المغلوطة التي وقع فيها الربيع العربي ،تمثلت في احتواء القوى الوطنية والتحررية سواء التي وصلت السلطة أو التي تعارضها، وتجريدها من أدوات المبادرة والفعل ، وانحسار مساحة المشاريع الوطنية لصالح القطبية في الداخل ،وزيادة مساحة التدخلات الخارجية في الداخل العربي ، والتي صبت لصالح طرفين يتشابهان كثيرا في نزعاتهما الفردية والإقصائية ، ما أنتج حالة من القطبية السياسية الحادة ، وأبقت منطقة الوسط فارغة ،وعملت على عدم تشكل منطقة الوسط تلك ،لتمثل حالة توازن بين القطبين أو أن تشكل حالة حراك اجتماعي يفرض ذلك التوازن لتبقى منطقة الوسط منطقة استقطاب حادة وعشوائية ، تسمح للخارج التوسع فيها إلى ان أصبح بديلاً عن قوى الداخل ، وعلى نفس المنوال ستستمر محنة الربيع العربي تلك في كافة البلدان التي شهدته . [email protected]