في زمن بات أغلب الكلام ثرثرة والسكوت من فضه بعد أن كان من ذهب، تعمّدت الأقلام الاختصار في كل شيء حتى في نشرات الأخبار فأينما تولي حواسك لا تلمس إلا «القطّاف» و«القصقصة» حتى في صحفنا المقروءة والمسموعة والإلكترونية خصوصا تلك المنجرفة خلف اتجاه حزبي معين أو طائفي فتجد أعظم الأحداث التي تتناقلها وسائل الإعلام مجرد رؤوس أقلام وتتشابه أحياناً حد التكرار بفضل سياسة (النسخ واللصق) لنشر الأخبار خاصة العاجلة ، وأحياناً أخرى بسبب تكرار المصدر فيلجأ المحرر إلى اختصارها وفي بعض الأحيان إلى شطب الآراء المعارضة أو الكلمات التي تخدش روح الحزب أو الطائفة وهذا ما نسميه بالعامية (قصقصة) ، ومع ذلك ما زلنا نسمع أصواتهم تنادي بحرية الرأي والفكر ..عجبي ! عكس ما ذكرته يحدث في وسائل النقل البري والجوي وفقط في بلادنا تجد المسافات تتضاعف والساعات التي من المفترض اختزالها للوصول لمدينة معينة تطول والسبب ببساطة (عُطل) في الباص أو الطائرة وكأن الأعطال ضرورة حتمية في كل سفر ورحلة ، لا أظنها مبالغة فحال باصات مؤسسات النقل البرية بات يُرثى لها خاصة إن صادف سفرتك سائق هو الآخر (عُطل) ولكنه بشري فإما يهرول مستعرضا إمكانياته في القيادة والتي تجلب الهلع للمسافرين خصوصا في خط صنعاء – تعز، أو العكس والمعروفة بالجبال والمناطق الخطرة ، أو يزحف زحفاً فيصل المسافر لمدينته مشلول القدمين ، ومع إني أفضّل الثانية على الأولى كون المسافر يؤمن بوصوله سالماً على عكس الأولى التي يقبض المسافر فيها على قلبه وتنشغل لسانه طيلة ساعات السفر بنطق الشهادتين والدعاء إلا أنني مازلتُ استاء جداً إذا ما سافرت وتعطّل الباص فجأة ووصلت متأخرة بأربع ساعات وتسبب ذلك في قلق وفزع من ينتظروني ، كذلك الحال للرحلات الجوية والذي دائما ما تشتكي صديقاتي من التعب والإرهاق والفزع الذي تتسبب به احتمالات أن يكون هناك عُطل في الطائرة فتضطر إلى الهبوط في مدن أخرى للتأكد من سلامتها وكأن الأعطال لا تصحو ولا تُكتشَف إلا بعد المغادرة والإقلاع ...السؤال الذي يطرح نفسه : هل هناك تفقد لوسائل النقل البرية أو الجوية من قبّل مهندسي مؤسسات وشركات النقل قبل الرحلة أم أنها على البركة ؟! على سيرة الحديث عن الرحلات يخطر ببالي الحديث عن تلك الرحلة الأبدية والتي يغادر فيها الإنسان الحياة دون عودة و دون عُطل ولكنها بمشيئة الله عزوجل ومع ذلك تتحوّل احيانا إلى فرصة للمتاجرة والاستغلال ومجالسه إلى موائد (حشوش) و ثرثرة ، فعمي شقيق والدي غادر الحياة قبل أيام دون دراية منه أو من أهله وحتى منا ، والذي قبل موته بساعات كان يتأهب للسفر إلى الأردن للعلاج وقبلها بساعات أيضا كان يعدد – مازحا – من سيسبق للموت من مُسني العائلة ، ومع ذلك شاءت إرادة السماء أن يسبقهم جميعاً فغادر الحياة تاركاً خلفه سبع بنات وولد وزوجة تفترش الحُزن أرضا وسماء ، ولعل الحزن الذي يستوطن قلوبنا ويغلفها بالرأفة لحال أهل الميت يكون أكثر ليناً من قلوب لا تعرف الرأفة حتى في حضرة الموت ! ما قصدته وبشكل عام هو حينما تتحول لحظات الحزن في الموت إلى نقاط استغلال ومتاجرة سواء فيما يخص شراء القبر أو تكاليف الدفن والعزاء وفي أحيان كثيرة تتحوّل مجالس العزاء إلى ثرثرة ونميمة وغيبة سواء عن الميت أو عن القات الذي بالعادة يوّزع على المعزيين في مجالس العزاء ، بدلاً من الذكر والدعاء للميت وأهله .. وإذا كان الميت ميسور الحال واستطاع شراء كفن وقبر يزداد سعره كلما سُمع أنه كذلك فما حال أولئك الذين لم تساعدهم الظروف في شراء قبر أو حتى كفن ، هل سينتظرون الرأفة من بشر لا يحمل في قلبه مثقال ذرة إنسانية حتى يواري التراب جسده بكرامه ! رحم الله موتانا وغفر لهم وأزال الله غشاءاً عن أفئدة من لا يُبصرون .. رابط المقال على الفيس بوك