أحياناً تتحول محاولات القفز على الممكن إلى غير الممكن في حالة فشلها إلى عامل إحباط ووسيلة لاكتساب اليأس وعامل إعاقة للممكن. وهذا ما يجعلني أؤكد أن الفعل الثقافي المسؤول يجب أن يتجاوز واقعية السياسي دون أن يصل إلى التماهي مع حالة الجموح الثوري، يجب أن يقف في المنتصف ليرفع من واقعية السياسي ويعقلن جموح الثائر. يحتاج السياسي إلى راديكالية الثائر ويحتاج الثائر إلى واقعية السياسي لتتوازن سفينة النضال وترسو بنا في شواطئ أحلام غيرمتناهية، ليس مطلوباً من الفعل الثقافي أن يقع في ثنائي العقلية البدوية «لنا الصدر دون العالمين أو القبر». هذه الثنائية التي تجعلنا نتخبط في حلقة مفرغة بين مربعات الطموح غير الواقعي والاصطدام أكثر من مرة بصخور الواقع بصورة تهدد قدرة سفينتنا على الصمود نتيجة كثرة الرضوض الناتجة عن بعض الحماقات المحسوبة على الثورة أو حماقات أصحاب المشاريع الصغيرة الذين كلما شعروا أن مصالحهم غير المشروعة تتعرض للتهديد يحاولون إشاعة الفوضى وإقلاق السكينة العامة وإفراغ أحقادهم على المنشآت العامة كالنفط والكهرباء أو على ضباط وجنود المؤسسة العسكرية والأمنية. نحن بحاجة إلى كل قول وفعل يزحزح الصخرة ويفتح أفقاً للحلم وفق منهجية المصابرة والمثابرة التي لا تستعجل النتائج ولا تخلد إلى الأرض الواقع. في ذات منشور على الفيس بوك حاولنا توضيح دور المثقف الوسطي بين جموح الثوري وواقعية السياسي تحت عنوان فصل المقال فيما بين السياسي والثائر من الاتصال والانفصال أشرنا فيه إلى أن الثائر مشدود إلى حلم الوعد الثوري يطير إليه بأجنحة المغامرة والسياسي مسكون بهم النضال من أجل التغيير يسير إليه وفق قوانين الواقع، وأننا نحتاج إلى السياسي في الظروف الطبيعية وحين يكون الطريق معبداً للعمل السياسي السلمي، فإذا تعقدت الأجواء واستمكن الفساد والاستبداد رفعنا شعار: مرحباً بالمجانين أهلاً وسهلاً بالمجانين إن هم حررونا، ووظيفة المثقف في تصوري محاولة ردم الهوة بين مثالية الثائر وواقعية السياسي، فالثائر بدون فرامل، وقد يقود الحياة العامة ويقودنا إلى المهالك، فلابد من عقلنة ثوريته. والسياسي الذي يفتقد إلى روح المغامرة الخلاقة يصبح أسيراً للواقع يدور في حلقة مفرغة في انتظار عمل جنوني يفتح له أفقاً جديداً. رابط المقال على الفيس بوك