إذا كان «غريبالدي» سيف الوحدة الإيطالية.. قد وحد إيطاليا إلى جانب «ماتزيني» روحها، و«دي كافور» عقلها السياسي، وكان «بسمارك» الزعيم الأمثل لقيام الوحدة الإقليمية الألمانية وضميرها، فإن الملك عبدالعزيز قد صنع وحدة دويلات شبه الجزيرة العربية، وقاد ب«ستين» رجلاً أولى ملاحم شجاعته وإقدامه في استرداد «الرياض» التي قال عنها بين الدهشة والإعجاب والإكبار المؤرخ الدبلوماسي الأديب خير الدين الزركلي: «ففي مثل هذا اليوم من عام 1319ه - 15 يناير 1902م استرد عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عاصمة آبائه «الرياض».. «في مغامرة تكاد تشبه أساطير الأولين».. وكان إلهام الملك المؤسس في كل ما فعل وأنجز إلهاماً عربياً إسلامياً لتوحيد بقية أقاليم الجزيرة في دولة واحدة هي المملكة العربية السعودية عبر ستة وعشرين عاماً من العمل العسكري والسياسي المتصل.. حيث كانت جزيرة العرب بعد الإسلام تشكل بنياناً قطرياً واحداً بحجازها ونجدها وهجرها وصحاريها.. ووحدة سياسية واحدة عندما نستثني يمن الجزيرة وعمانها وبحرينها.. كان إنجاز الملك عبدالعزيز في إعلان توحيد المملكة عام 1942م عبقرياً بكل المقاييس.. يقول عبدالرحمن العثمان في كتابه «عبقرية التجربة السعودية» الكثير عن هذه الملحمة التوحيدية العربية، وكذلك كتب الشيخ عبدالعزيز التويجري في استشفافه الرومانسية الشخصية والحلم عبر كتابه «سراة الليل.. هتف الصباح» وفي كل ذلك تخليد لإنجاز الملك عبدالعزيز وتاريخه وتجربته العبقرية الفريدة إلى حد الافتتان به. قال عن شخصه وشخصيته الزوكلي: «يعد نفسه مسؤولاً عن كل فرد من رعاياه.. كأنما هو من أبنائه، ويحب كل ابن من أبنائه.. كأنه ليس له سواه». وقال عنه : «عبدالعزيز حذر يألف ويؤلف، ولكنه لايثق.. وإذا وثق تزلزلت الجبال ولم تتزلزل ثقته» وقال عنه أشهر كتاب ومثقفي العشرينيات من هذا القرن.. العربي اللبناني الأمريكي «أمين الريحاني» الذي شدّته أحلامه القومية فجاءت به من الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى ليرى قادة العرب وملوكهم وليتحسس مستقبل الأمة من خلالهم ثم ليكتب عنهم كتابه لأشهر «ملوك العرب» : «جئت ابن سعود والقلب فارغ من البغض ومن الحب، فلا رأي الإنجليز، ولا رأي الحجاز، لا الثناء.. ولا المطاعن أثرت بي»، ثم أضاف: ها قد قابلت أمراء العرب كلهم فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل، ولست مجازفاً أو مبالغاً في ما أقول، فهو حقاً كبير.. كبير في مصافحته وفي ابتسامته وفي كلامه وفي نظراته وفي ضربه الأرض بعصاه، يفصح في أول جلسة عن فكره، ولا يخشى أحداً من الناس بل يفشي سره: سر رجل يعرف نفسه ويثق بعد الله بنفسه، إن الرجل فيه أكبر من السلطان، وقد ساد قومه ولا شك بالمكارم لا بالألقاب غريب عجيب»..! ثم ختم شهادته تلك قائلاً: «إنني سعيد؛ لأني زرت ابن سعود بعد أن زرتهم كلهم - يقصد ملوك وأمراء العرب في تلك المرحلة - هو حقاً مسك الختام». [email protected] رابط المقال على الفيس بوك