بنبرة حزن وألم أتى صوتها حزيناً عبر الهاتف،وهي تحدد موعداً لمقابلتي، انتابتني هواجس كثيرة، وأنا انتظر موعدي معها،وعندما حضرت تبادلنا السلام وبعض المجاملات، ومحياها ينبئ عن خطورة ما جاءت بشأنه، طلبت مني أن أغلق الباب،وأن أعدها بأن لا يعرف أحد ما سيدور بيننا،قلقت أكثر وأنا أقول لها: خير، ما الأمر!كشفت عن نقابها،صعقت مما رأيته، آثار صفعة عبثت بجمال وجهها،هالني ما رأيت فشهقت وأنا أقول:من فعل هذا بك؟وما؟ وكيف؟ كنت في قمة الغضب،وأنا أخبرها أن من فعل ذلك لابد أن ينال عقابه ,.. ,.. ردت بألم “صفوان” قلت : من ؟كيف؟صفوان؟هل جننتي؟ لم أصدق ما تقوله،هل بلغ بها الأمر أن تتهم ابنها لكي تحمي أهلها، وبدأت في نقدها، أسكتتني: يا آمال افهمي،إن من فعل بي ذلك هو ابني، لا تزيدي من ألمي،يكفيني ما ألّم بي.أحسست بانهيار يشل كياني، اختلطت الأمور أمام عيني، وبدأت تحكي لي حكاية الصفعة المؤلمة. “ تعرفين أني انفصلت عن (أبو صفوان ) وهو في الثامنة من عمره، عانيت الأمرين في تربيته،بسبب انتقاد أهلي الدائم لصفوان وشقاوة طفولته التي لم تتحملها والدتي الكبيرة في السن،وكانت حياتي دائماً صراعاً مابين نار هجر أبي صفوان لابنه وعدم متابعته أو سد احتياجاته وبين صد أي محاولات لعقاب صفوان، من أهلي وإخواني ولهثي الدائم أيضاً لتوفير كافة مستلزمات صفوان وسعيت جاهدة ألاَّ أجعله يحتاج إلى شيء . وعندما دخل صفوان، عامه الرابع عشر بدأت تعذبني مرحلة مراهقته وأنت تعلمين، فصفوان تلميذ في مدرستك وقد ساعدتني الاخصائية كثيراً في اجتياز بعض المشاكل التي سببها صفوان. وقد تأثرت كثيراً من مشاكله كما أن ضعف مستواه الدراسي جعلني أكثر عصبية، فأنت تعرفين أني لا أريد أن يتدخل أهلي في تربية ابني وأخفي حتى صراخي عليه . وبدأت أضرب صفوان فقد زادت الضغوط من كل جانب ، أعرف أنني أبالغ وأعرف أنه من غير المقبول ضرب ولد في عمره، ولكن عجزت عن السيطرة عليه وكانت نتيجة امتحانه الأخيرة مثل الصاعقة حلت عليَّ، أبعد هذا الجهد والدروس الخصوصية يرسب ؟ وأنا أراه أمامي يذاكر! هل استمرأ هذا الولد خداعي ! أيحسب أن مستقبله لعبة ! ولم أجد نفسي إلا وأنا أبحث عن العصا لأضربه ،ولأول مرة في حياته الصغيرة يهرب مني وبكل عنف أسمعني وابلاً من الكلام المؤلم بل وعند محاولاتي الاقتراب منه صفعني وحاول أن يعتدي عليَّ بالضرب، ساعده وجودنا لوحدنا في الغرفة وتستري على مشاكلي معه عن أهلي. دارت بي الدنيا وخرجت إلى الشارع هائمة أتمنى أن تبلعني الأرض، هل وصل بي الفشل إلى أن أُربي من يضرب أمه ،ماذا فعلت يا إلهي حتى تعاقبني بهذا الولد !كانت كلماته ترن في أذني ولها وقع مؤلم أكثر من صفعته، «أنت لا تستاهلي أن تكوني أمي، أنت سبب ابتعاد وهروب أبي ،أنت من حرمني منه و...و...» كانت تبكي بحرقة وألم ووجهها ينبئ عن ابن على شفا أن يضيع إذا لم تعالج مشكلته، وأحسست ساعتها أن صفوان هو المظلوم والمعتدى عليه، إلا أني هدأتُ من روعها،وبدأت أطمئنها أن هذا الأمر طبيعي وأن لا تقلق، فصفوان يمر بمرحلة صعبة ويعيش تناقضات نفسية و إحساسه أنه فاشل يدمره. هدأت قليلاً وبدأت تطمئن لحديثي مما شجعني أن أحدثها بصراحة قائلة :لا تنسي أنك سبب كل ما وصل اليه صفوان. أجابت: حتى أنت ترددين ما قاله لي هذا العاصي!أجبت :نعم فأنت دائماً تقللين من شأن أبيه ودائماً ترددين على مسامعه ماذا فعل أبوه بك،وتعددين سيئاته وعيوبه وكان لهذا التصرف أثر سيئ على نفسيته، كما أن صفوان ليس بعاصٍ ،ولابد أن تواجهي الحقيقة وحتى وان كانت مرة إلا أنها طريقك لبداية حياة جديدة معه ولا تقلقي سنساعده على اجتياز هذه المرحلة ولكن أنتِ من يجب أن يساعدنا. وبدأنا مع صفوان ووالدته عاماً كاملاً من المتابعة والمعالجة النفسية،وكانت والدته تحاول أن تنفذ كل ما نطلبه منها لا سيما وقد بدأ يستجيب لمحاولات تعديل سلوكه. للأسرة أهمية في الاستقرار النفسي والعاطفي للطفل، وإن كان الانفصال هو قدر الزوجين فلا ذنب للأبناء فيه،وغياب الأب سيترك فراغاً عاطفياً ، ولابد أن تسعى الأم إلى أن تظل صورة الأب متواجدة حتى وإن غاب وكثرت أخطاؤه وزلاته،حتى وإن هجر ابنه بكل أنانية إلا أن محافظة الأم على صورة الأب مهما أخطأ في حقها وحق ابنها يساعد على التوازن العاطفي للطفل و استمراريته، أما ذم الأب وأنه سبب الانفصال أو تعداد عيوبه وأخطائه حتى يكرهه الطفل، فهذا يعد من العوامل التي تهدم نفسية الطفل والهدم أسهل من البناء،والبغض أسهل من الحب،والاحتقار أسهل من الاحترام،وهذه كلها تسيء بل وتدمر نمو الطفل تماماً وستكون النتيجة طفلاً عديم الثقة بنفسه يعاني من فراغ عاطفي واجتماعي وفكري ومهني ولن يستطيع أن يتحكم في عواطفه، وتقتل مواهبه لأنه مشغول بما تحاول الأم أو الأب زرعه داخله من مشاعر الكره أو التأنيب وهو لا ذنب له فهو يحمل مشاعر حب فطرية تجاه أبويه وهما من يحاولان أن يبدلا هذه المشاعر. أيتها الأم أيها الأب.. أنتما معاً من أنجب هذا الطفل فرفقاً به. ودمتم. [email protected]