أشعر أن الأوضاع والأحوال الوطنية والإقليمية، والقومية، والإسلامية والدولية.. قد فرضت على الأقلام الإعلامية، وعلى وسائل الإعلام ومحرريها الانشغال، والانهماك في الكتابة الخبرية، والتقريرية والمقالية، والبحثية، والدراسية وتكريسها حول ما يدور في الأوطان من أزمات سياسية، وصراعات، وعنف فكري وسياسي، وديني ومسلح، وحول الاغتيالات، والاختطافات، والاختفاء القهري، والمعلوم، و...و.. الخ، إلى حد نسيت الأقلام، ووسائل الإعلام أن الإنسان العربي والمسلم يحتاج إلى فسحة يريح فيها عقله، ونفسه، وروحه، ويجد وقتاً يستعيد فيه نفسه.. بدلاً مما يتنفسه من دماء، وباروت، ورصاص وموت، وجراح، وغياب قريب، أو حبيب، ومعاناة في المعيشة، وصعوبتها وفقرها، وكل ما يسود الحياة، ويجعلها حالكة، لا أمل، ولا بصيص من نور يمكن أن يتسلل إليه. لهذا قلت خلينا نعيش في هذا العمود.. وفي أعمدة تالية متفرقة مع الأشباح والأرواح، والشياطين، والأبالسة، و”العضاريط” وماعدا ذلك مما تناقله الحكايات والقصص الشعبية.. إنها من “التراث الشعبي” توارثها الناس جيلاً بعد جيل من خلال المسامرة، والمثاقفة الشعبية.. وتمتد جذور هذه الثقافة إلى زمن بعيد.. إلى أجداد الأجداد، إلى أن وصلت إلى جيلنا، وستذهب إلى أبنائنا، وأحفادنا، وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ومثل هذا الميراث الشعبي لا يخص مجتمعنا اليمني، ولا مجتمعنا العربي، والإسلامي.. لكنه ميراث تمتلك مثله كل شعوب العالم “المتخلف، والمتقدم” دون تفريق أو تمييز لأن شعوب العالم كلها دو استثناء مرت بحقب زمنية متشابهة في التخلف، والنمو، والتقدم، وكل ما يتخلل هذه الحقب من ظروف حياة صعبة، ورغيدة، آمنة، ومستقرة، وعنيفة، ومخيفة وفكر، وفلسفات خرافية، فولدت الحكايات والقصص المعقولة، واللامعقولة، وتعتبر من نتاج وإبداع “الخيال الشعبي”.. فأحياناً كانت تبدأ بسيطة، أو فكرة بسيطة.. لتتحول إلى حكاية، أو قصة يتفنن في ترديدها الرواة، فيزيدون فيها ويضيفون جيلاً بعد جيل. فالموضوع قد يبدأ حسب افتراضي لإخافة الأطفال.. بأن يقال لهم المكان الفلاني فيه أشباح، والوادي العلاني فيه جن، والمرتفع في مكان كذا فيه عضاريط...وذلك بغرض إخافة الأولاد حتى لا يذهبون بعيداً عن البيوت أو الحارة، أو القرية، وحتى لا يتأخروا في العودة إلى المنزل قبل حلول المغرب.. إنها أهداف بريئة.. لكنها تصيب عقول الأطفال، وتحتل مساحة في نفوسهم...ولأن خيالهم واسع يبدأون ينسجون حولها حكايات وقصص “تطول وتكبر” نتيجة تنافس الأطفال فيها.. إلى أن صارت حكايات وقصصاً متوارثة، يرويها الآباء، والأمهات والأجداد والجدات لأطفالهم “حزاوي” قبل النوم لإخافتهم فينامون.. جنباً إلى جنب لإخافتهم من الذهاب إلى الأماكن البعيدة، أو الخطرة كالسقايات وخزانات الماء، والمرتفعات.. لكنها صارت موروثاً شعبياً بتوارث وصار يلهم الكثير من الأدباء والمفكرين.. فيستقون منها ما يريدوا.. بل حولت إلى أفلام سينمائية رائجة في عصرنا الحاضر. رابط المقال على الفيس بوك