المساوي يفتتح مشروع رصف حجري بمبادرة مجتمعية بمديرية ريف إب    السيد القائد: تبني المطالبة بنزع سلاح حزب الله وحماس "موقف سعودي"    الكثيري يطّلع على النشاط العام بنادي شعب حضرموت    وفاة طفلين غرقا بسيول أمطار المنخفض الجوي في بيحان شبوة    محافظ عدن يتفقد أعمال رفع مخلفات الأمطار وتصريف المياه    مصلحة خفر السواحل تحذر من اضطرابات في حالة البحر خلال 72 الساعة القادمة    القطاع النسائي الحديدة ينظم ندوة ثقافية بمناسبة المولد النبوي الشريف    مديريات الحديدة تحتفي بذكرى المولد النبوي    صندوق النظافة في إب ينظم فعالية خطابية بذكرى المولد النبوي    المحافظ بن ماضي يتفقد أضرار السيول في وادي حضرموت    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يعقد لقاءً مع الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية لانتقالي العاصمة عدن    الامارات العربية تنتقل من دولة مصدرة للنفط.. إلى تصدير الذكاء الاصطناعي    عدن احتضنت الجميع.. المدينة التي تُهاجم من داخلها ويُقبل عليها الجميع    سيول جارفة تضرب أودية تريم وتحذيرات من غرفة الطوارئ    اغتيال قيادي أمني مرتزق وسط مدينة تعز المحتلة    السقاف يؤكد أهمية استئناف الدراسة ودعم قطاع التعليم بالعاصمة عدن    10جرحى و90 موقوفا في عنف الأرجنتين    المبعوث الأممي يناقش في الرياض تمهيد الطريق لسلام مستدام في اليمن    قصائد تتنفس الحياة في "تسريحة الظلام الأخيرة" ل"وليد سند"    سبتمر الثورة غصة الحوثي    اليمن يتوج بالمركز الأول في مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم    السقلدي: حكومة بن بريك والانتقالي غير مهتمين بملف المرتبات    #بن حبريش: مشروع سلطة يقوض الدولة ويهدد استقرار حضرموت    الجنوب العربي: إعادة تأسيس الدولة بين شرعية الاستقلال وآليات الاعتراف الدولي    الانجليز لحكمتهم منعوا البناء في جبال عدن.. النازح والوافد اليمني دمر عدن    إيران لم تكن طوال التاريخ فارسية    مصر تقرر مصير الملك توت عنخ آمون بشكل نهائي    المبعوث الأممي: دعوات الجنوبيين للاستقلال مهمة    تحذيرات من السيول الجارفة بالمرتفعات والسواحل    صلاح يسمي المرشح الأوفر حظا للفوز بالدوري الإنجليزي هذا الموسم    غموض الرؤوس المقطوعة لتماثيل النساء الأثرية في اليمن    «فلاشينج ميدوز».. إيجا ورود إلى نصف النهائي    السوبر السعودي يدفع الاتحاد صوب نجم ريال مدريد    الدوري الماسي.. كيلي تتوج بذهبية 800م    محافظ تعز يشدد على الالتزام بالقوائم السعرية وضبط تكاليف النقل    سليمان: دوافع اعتقال بلال غنام في تعز مرتبط بصراع تجاري مع جماعة الاخوان المسلمين    ارسنال يحسم صفقة ايزي ب60 مليون باوند بتأكيد فابريزيو رومانو    صنعاء.. أفراد الرعاية يثيرون الفوضى في مجمع طبي بسنحان    جبل الوطن يترنح…!    عدن.. البنك المركزي يعلن سحب تراخيص منشأتين للصرافة ويغلق مقراتها    ابرز نتائج الدور التمهيدي المؤهل لدوري ابطال اوروبا    الجيش الإسرائيلي يعلن اتخاذ الخطوات الأولى للسيطرة على غزة    ارتفاع جديد لاسعار الذهب عند التسوية    بسبب الامطار ... انهيار حصن تاريخي في صنعاء .. صورة    مناقشة مرتكزات الرؤية الوطنية لتوطين الصناعات الدوائية    فريق طبي يتمكن من إعادة إنتاج الأنسولين ذاتياً لمريض سكري    بن سميط يحذر من مشروع "ضرب من الخيال" في شبام    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تستعرض أبرز المستجدات على الساحة الوطنية    التمر أم الموز.. أيهما أفضل لتنظيم سكر الدم وصحة القلب؟    نبتة خضراء رخيصة الثمن.. تخفض ضغط الدم وتحمي من السرطان    لجان الرقابة الرئاسية.. أداة فاعلة لتعزيز الشراكة وتحسين الأداء    الاتصالات تلزم الصمت تجاه الانقطاعات المتكررة للإنترنت ومجموعة قراصنة تعلن استهداف مؤسسة اقتصادية    الصحة العالمية: اليمن يسجل أكثر من 60 ألف إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    عن تجربة لم آلفها من قبل    اليمنية تبدأ بيع تذاكر السفر بالريال اليمني ابتداءً من اليوم الأربعاء    محامي شيرين:كسبنا القضية بالحجز والتعويض    أكاذيب المطوّع والقائد الثوري    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصائد تتنفس الحياة في "تسريحة الظلام الأخيرة" ل"وليد سند"
نشر في يمنات يوم 21 - 08 - 2025


محمد المخلافي
في التسريحة،
ستجد كيسًا هاربًا من ذاكرة السوق،
طارَ وتناغمَ مع الريح،
يعرفُ وجهتهُ أكثرَ منّا جميعًا،
اعترضتْه أغنيةٌ عالقةٌ في السماءِ،
فجلسا معًا على سطرٍ من الغيم،
يتبادلانَ كلماتٍ لا تفهمُها الأرض سوى من حنين المزاريب.
بهذا النص الجميل، أستهل مقالي عن ديوان "تسريحة الظلام الأخيرة" للشاعر اليمني الشاب وليد سند، القادم من قرية بيت عجاج، تلك القرية التي تعانق السحاب في أعالي جبال كحلان الشرف بمحافظة حجة. في أحد نصوصه، وصفها بأنها تقع خارج الخريطة، حيث لا تعرفها الدولة إلا في مواسم جمع الزكوات والضرائب، وكأنها طيفٌ يظهر وقت الحاجة ويختفي بعد ذلك.
تقدم الأبيات الافتتاحية صورة شاعرية تحمل رموزًا تلامس شغاف القلب. فالهروب من ذاكرة السوق يعكس الشعور العميق بالفقدان والهزيمة في مجتمعٍ لم يعد يعرف نفسه وسط زحام التغيرات. أما تناغم الكيس مع الريح فيمثل البحث عن الحرية الذي يسكن كل يمني، بينما الأغنية العالقة في السماء تُبرز شعلة الأمل التي لا تنطفئ حتى في زمن الحرب، مما يسلط الضوء على الفجوة المؤلمة بين المشاعر الدافئة والواقع القاسي.
صدر هذا الديوان عن دار سند للطباعة والنشر في صنعاء، هذا العام 2025، ليقدم للقارئ 157 صفحة من القطع المتوسط، تحمل بين سطورها أنفاس شاعر عاش الواقع المرير ورسمه بكلمات تبحث عن الجمال في قلب المعاناة.
قراءة في دلالات العنوان
يحمل عنوان "تسريحة الظلام الأخيرة" دلالات عميقة ومعقدة، حيث يجمع بين عنصرين متناقضين: "التسريحة" و"الظلام". كلمة "تسريحة" تفتح الأفق على مفاهيم الجمال والتنسيق، فهي تشير إلى عملية تجميلية تُعنى بالتحسين والتغيير. لكن عندما تُقرن ب"الظلام"، يتحول المعنى إلى شيء أكثر عمقًا وإيلامًا. هنا، يتجسد الظلام كرمز للمعاناة والفقد والضياع الذي يعيشه الإنسان اليمني.
الظلام في هذا السياق يُفهم كحالة نفسية تعكس الصراعات الداخلية واليأس الذي قد يلف الروح. إنه يمثل تلك اللحظات التي نشعر فيها بالوحدة القاتلة، حيث تصبح الحياة كأنها تسريحة غير مكتملة، تفتقر إلى الجمال والتوازن. في هذه "التسريحة"، نجد أن الجمال يتلاشى في خضم الفوضى، مما يعكس واقعًا قاسيًا يعيشه الشاعر ومجتمعه.
"الأخيرة" في العنوان تضيف بعدًا إضافيًا من العمق، فهي تشير إلى نهاية ما، سواء كانت نهاية مرحلة أو لحظة من الألم. قد تكون هذه النهاية تعبيرًا عن الاستسلام أو التقبل، حيث يختار الشاعر أن يواجه الظلام بدلاً من الهروب منه. إن استخدام كلمة "الأخيرة" يطرح تساؤلات مؤلمة حول ما يعنيه أن تكون في نقطة تحول، وكيف يمكن أن تكون العواقب مؤلمة ولكن ضرورية للخلاص.
بساطة اللغة وعمق المعنى
يمتاز وليد بأسلوب شخصي صادق يعكس تجاربه الحياتية ومشاعره العميقة. ينسج كلماته بلغة بسيطة لكنها مؤثرة، مما يجعله قريبًا من القارئ كصديق يشاركه همومه. يأخذنا في هذا الديوان – وهو باكورة أعماله – إلى معاناته اليومية، حيث يعيش الناس تحت وطأة الحرب والضياع، لكنه ببراعة فنية يجمع بين الألم والأمل، مانحًا القارئ فرصة لفهم التحديات التي تواجه المجتمع اليمني من خلال عين شاعرٍ يعيش التفاصيل ويترجمها بإحساس مرهف.
تنوع التجربة الشعرية
ينقسم الديوان إلى أربعة أبواب تعكس تنوع تجربته الشعرية. الباب الأول "نبوءة التراب" يتناول حال المواطن والواقع المرير الذي تمر به البلاد، بينما الباب الثاني "تصرفات فردية" يغوص في مشاعر ووجدان تتسم بالحزن والعمق الإنساني. أما الباب الثالث "نجمة وأغنية" فيستكشف المشاعر بطريقة جديدة ومواضيع أكثر واقعية، ليكون الختام مع الباب الرابع "نصوص على حافة القصيدة" الذي يتناول بعض الشخصيات المؤثرة في الديوان، مما يضفي عمقًا إضافيًا على النصوص الختامية.
ما يلفت في هذا الديوان هو ترتيب النصوص بطريقة متناسقة، حيث ترتبط كل قصيدة بطريقة غير مباشرة بالقصيدة التي تسبقها.
ماذا في التسريحة؟
ستجد اسمًا زائدًا عن الحاجة، أتيتُ به كما يُؤتى بحقيبةٍ مهترئةٍ تحمل غبار الطرقات وخرائط لا تقود إلى بيت وليس لها وطن. هنا، يتجسد شعور الفقدان والضياع بكل مرارته، حيث يصبح الاسم رمزًا لحياة مشوشة تحمل في طياتها ذكريات مؤلمة وأحلامًا مكسورة، وكأن الشاعر يحمل هويته كعبءٍ ثقيل في مجتمع لا يعترف به إلا رقمًا في سجلات الضرائب.
ستجد أغنيةً لم تتعلم الوضوء بعد، وفتاةً تُراوغ ظلَّها هربًا من ثقل كينونتها، وجبلًا يُمسك بجلباب غيمةٍ ويستحلفها أن تمطر على قلبه. هذه الصور تعكس ذلك الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان اليمني، حيث تتجلى الرغبة في الخلاص والتواصل مع ما هو أكبر من الذات. الأغنية، التي لم تتعلم الوضوء، تمثل النقاء والفطرة التي لم تُفسد بعد، بينما الفتاة، التي تفر من ظلها، تعكس هواجس الهوية والوجود التي تطارد جيلاً كاملًا.
ستجد على الأرصفة موتى بلا أكفان، وعلى الباصات موتى بلا وجهة، موتى ينسلّون من أعين المارة كما تنسلّ الأسئلة من فم الليل. يبرز هنا واقع الموت والغياب بكل قسوته، مما يعكس قسوة الحياة في مجتمع فقد الكثير من معانيه. الموتى بلا أكفان يمثلون الشهداء الذين فقدوا هويتهم وكرامتهم حتى في الموت، بينما الموتى بلا وجهة يرمزون إلى التائهين في زحام الحياة، حيث تتداخل أسئلة الوجود مع تفاصيل الحياة اليومية البائسة.
أعدُك أنك ستجد أشياءً لا يعرفها قلبك، وأحاديث لم تمرّ على أذنك، وستنجو من عبثية التكرار كما ينجو الطائر من مرمى الرصاصة. هذه الكلمات تحمل ذلك الوعد الخافت بالتحرر، بفتح أبواب جديدة للمعرفة والتجربة. هنا، يُبرز الشاعر قدرة الإنسان على تجاوز الألم والانطلاق نحو الحرية، حيث يجد في كل تجربةٍ مؤلمة فرصة للتجديد والتغيير.
تركب فيها الموج على صفحة طافية، ويرافقك الساهر الأخير، ذلك الذي لا ينام حتى يكتمل الليل في عينيه، ويُسرّح الظلام على هيئة قصيدة. في هذه النهاية، تتجمع كل العناصر لتشكل تجربة إنسانية متكاملة، تُبرز الصراع الأزلي بين الأمل واليأس، وتحث القارئ على البحث عن المعنى في خضم الفوضى.
ختاما، ببراعة الشاعر الذي يعرف كيف ينحت الجمال من قلب المعاناة، نجح وليد في تحويل الألم اليومي إلى قصائد تتنفس الحياة، تاركًا للقارئ مساحةً للتأمل. إنها رحلةٌ داخل الذات، حيث ينتهي الظلام ليُعلن عن بزوغ فجرٍ جديد، ليس لأنه انتهى، بل لأننا تعلمنا كيف نسرّحه بأيدينا.
نص شعري من الديوان
في صنعاء،
الضوء لا يسكن المصابيح
إنه يتسلل من أنفاس المقهورين،
من ارتجاف كفّ تبحث عن رغيف،
ومن حكاية عامل يمسح الغبار عن وجه
الرصيف ويجلس أمام عدته.
* * *
في "السبعين"،
الشارع يمد يده للمحتشدين
كما لو كان يستجدي النبض
من أجساد نسيت أنها حية.
* * *
"المصباحي"
لا يحمل ضوءًا كما يدعي الاسم،
يمر كظل سميك
ويخطط جبين المدينة.
"الصافية"
أكوام مكدسةً من الخردة
واسمها مجرد تهمةٍ أنيقة؛
لاحتضانها كفتيريا "مُدهش"
وحكايات "طه الجند".
* * *
في صنعاء..
الموتى! ليسوا في المقابر،
هم على الباصات،
يحدقون في الفراغ بعيون تعرف طريقها
إلى اللاشيء.
لا توجد إشارة مرور ينتظرون اخضرارها
ليعبروا،
ولا يدركون أن الحياة سمحت لهم بدقيقة
أخرى من الانتظار عند ازدحام الظهيرة.
كل شيء فيها
يتنفس كأنفاس مبتورة،
الحياةُ تُباع بالتقسيط،
والروح تحترق على دفعات.
* * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.