كان اللقاء خطوة أولى نحو تنظيف ما علق في أذهان الناس عن أداء الأمن القومي، ورأى قادة الجهاز أن الصحفيين هم بوابة العبور الآمنة إلى الناس، فقرروا استضافة الصحفيين في لقاء تعارفي، يعقبه استضافة غداء في فندق راقٍ بصنعاء. توسع اللقاء إلى مؤتمر صحفي، حاول فيه الدكتور علي حسن الأحمدي الرئيس الجديد لجهاز الأمن القومي أن يكون أكثر شفافية في تناول القضايا الوطنية الكبرى، أو تلك التي شوهت وجه جهازه خلال السنوات الماضية، فقد ساهم الإعلام بقسط وافر في تعتيم صورة الأمن القومي (وليس كل ما نشر كان تشويهاً فقد مارس الجهاز انتهاكات واسعة خلال سنواته العشر الماضية). كمية الأوساخ التي رأى الأحمدي أنها تحول بينه وبين الناس لا يمكن لغير رافعات الإعلام إزالتها، حتى يدشن مرحلة جديدة من منهجية أداء جهازه الأمني، في ذكرى تأسيسه العاشرة، لذا بدا الرجل أكثر جدية في التعامل مع الإعلام، وأظهر سعة صدر في الاستماع لأسئلة الصحفيين، رغم أن أكثر من 100 سؤال انهالت عليه، كغضب ظل الصحفيون يحقنونه طويلاً. حاول الرجل الاستماع لأسئلة رجال الإعلام، وتدوينها، ثم الإجابة عليها مرة واحدة، لم أتمكن من سؤاله، لكني تمكنت من مقاطعته في الحديث، نظراً لقرب مقعدي من الصفوف الأمامية. ذهبت إلى لقاء قادة الجهاز الذي شوش علينا كثيراً، محملاً بملفاتي الثلاثة التي يبدو أنها سترافقني من المحيا إلى الممات، وهي: إسقاط نظام وفساد العائلة، وقد سقطت العائلة، وبقي الكثير من فسادها ورموز نظامها، والفساد هنا لا أحمل وزره المحسوبين على المؤتمر فقط، فهناك مسئولون محسوبون على “المشترك” مارسوا الفساد بتجلياته الإباحية. وبقي ملفان لم يسقطا: تجار السلاح والمخدرات، وميزانية مصلحة شئون القبائل!. قاطعت الأحمدي أثناء حديثه عن تجار السلاح، بالقول: لماذا لم تعلنوا أسماء هؤلاء المستوردين للسلاح والمخدرات، هل سلطتهم أقوى منكم؟!. أجاب سريعاً: لا. نحن سلطتنا أقوى، نحن دولة. رددت سريعاً: ولماذا لم تعلنوا أسماءهم، التاجر الضحية “راشد البعداني” الذي قيل بأنه مستورد صفقة المسدسات في حاوية الشوكولاته، حصل على الرقم الضريبي قبل ستة أشهر فقط، من تاريخ القبض على الشحنة، فيما التاجر الحقيقي معروف لديكم، ولم تعلنوا اسمه، ما الذي يمنعكم من كشف أسمائهم؟!. رد الأحمدي: سنعلنها !. سننتظر ! كان لابد أن أفعل ما فعلت، وطني الحبيب يدمر على يد تجار الموت، ونشطاء الخراب، وطني لم يعد يتسع لي اليوم، فكيف سيتسع غداً لأبنائي!. أحسن قادة “الأمن القومي” العمل، وبدوا كما لو أنهم زملاء مهنة، فالصحفي الاستقصائي في الصحافة الغربية “مخبر”، وكلانا: الصحفي والأمني، نلفظ أنفاسنا تعباً كل يوم، بحثاً عن المعلومة الحقيقية. قبيل اللقاء تعرفت لأول مرة على اللواء أحمد درهم وكيل جهاز الأمن القومي، حين جاء ليصافح ثلاثتنا: عبدالرحمن بجاش، حمود منصر، وأنا، كان رجلاً ودوداً، وطيباً، وظل محتفظاً بابتسامته لثلاث ساعات متواصلة. وحين غادرت المكان، سألت نفسي: هل سيتمكن القادة الجدد لجهاز الأمن القومي من الاحتفاظ بهذه الصورة البيضاء للجهاز، أم أنه“تلميع” اقتضته المرحلة!. أتمنى صادقاً، أن يظل شعورنا الدائم بأنه جهاز وُجِدَ لحماية أمننا القومي. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك