ساعة أن تتهيأ لدخول مشارف المدينةالمنورة لابد أن تأخذ نفساً عميقاً ونقياً من الهواء المنبعث من تنهيدات الأشجار والأزهار والحدائق.. ومن الامتداد الرحب للمساحات المحاذية لمدخل المدينة، الأخاذة بمناظرها الخلابة ونباتاتها التجميلية من زهور «الكاذي» وعطره الفواح..! فهذه الزهور تبوح بفتنتها ورائحتها العطرية لكل القادمين ضيوفاً على هذه المدينة. هكذا تبدو لنا الصورة أكثر وضوحاً ونحن قادمون من جدة، على طريق معبَّدة طويلة، رأينا خلالها اهتمام المملكة بالطرقات على أعلى المستويات وبأحدث المواصفات، مما يشير إلى أن التخطيط لهذه الطرقات كان سياسة أصيلة وناجحة مرتبطة بتخطيط المدن ذاتها ومن أهمها المدينةالمنورة. بين شوارع المدينة النظيفة نتأمل روعتها وازدهارها وهدوئها ونسائم الطمأنينة تهف علينا.. نحن الآن في رحاب المصطفى عليه الصلاة والسلام، حيث لا ينبغي لصوت أن يرتفع إلا صوت الحق، ولا لقول أن يسمع إلا قول الحق، ولا لذكر أن يردد إلا ذكر الله سبحانه وتعالى.. في هذه البقعة المباركة حيث تفوح رائحة الإيمان وحيث التربة المؤمنة والبركة المضاعفة والجوار الحسن.. حططنا الرحال بين أهلنا العامرة قلوبهم بالمحبة والإيمان، وكان في استقبالنا الزميل سالم من الإعلام الخارجي بالمملكة في المدينةالمنورة، رجل كبير القلب كريم قوي الإيمان، ابتسامته التي لا تفارق شفتيه تشع حفاوة ومحبة.. وليس غريباً فهو من أحفاد أهل المدينةالمنورة الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى، بأنهم: «يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه، فأولئك هم المفلحون» (الحشر:9). فالحق تعالى الذي يكشف السرائر ويعلم منطويات الضمير، يخلع شهادة مناقبية امتيازية لأهل المدينة، لا تعادلها شهادة ولا يوازيها امتياز. لحسن طالعنا ونوايانا - والله أعلم - كتب لنا أن نعانق تربة هذه الأرض الطاهرة قبل صلاة يوم الجمعة المباركة بدقائق، فأكرمنا الله تعالى بأداء الصلاة في المسجد النبوي الشريف وفي رحاب المصطفى عليه الصلاة والسلام - ومن نعم الله جل شأنه أن يسّر لنا ذلك، ودخلت المسجد بالرجل اليمنى قائلاً: بسم الله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.. وصليت ركعتين تحية المسجد في الروضة الشريفة.. وبعد صلاة الجمعة توجهت وزملائي إلى زيارة قبر رسولنا الأعظم والسلام عليه، ثم خطونا خطوة إلى جهة اليمين فسلمنا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم خطونا أخرى فسلمنا على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقرأنا الفاتحة واشتمام عفر النبوة من أجزاء ومكونات ذلك المكان المفعم بالنور وكامل النقاء والطهارة.. هذا الامتداد المكاني والزماني الذي يجعل لكل زائر ذكرى ويشعر كل مسلم بعمق الانتماء إليه، اللحاق به والتمسك به لا يريد أن يبارحه طوال حياته ومماته. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك