“إن مفهوم الأيديولوجيا لا ينصرف إلى ما فيه نص، سواءً في الكتاب أو السنة المتواترة، وإنما جزئياً إلى الفكر البشري وخاصة عندما يكون محمولاً بأدوات قهرية تحوّل الفكرة إلى أداة قمع”. ياسين سعيد نعمان * * * من يقنع شخصاً مغروراً بصلاحه ك عارف الصبري أن زمن الوعاظ انتهى, وأن عقولنا لم تعد مقطرنة لنسمع بخشوع خطب الدعاة ومحاضرات الوعاظ بدون تفريق بين ما يقوله الله وما تتفوه به بعض ألسنتهم من ترهات, من يتطوع لإقناعه أنه ليس شيخاً كما يقدم نفسه أو يسوقه أتباعه, بل من يتبرع من الاصلاحيين العقلاء القريبين مما يسمى بمشائخ الإصلاح وقرنائهم في التيار السلفي ويقنعهم أنه لا يوجد في الإسلام لقب شيخ ولا هم يتشددون. من يجرؤ من سياسيي الإصلاح بإسداء نصيحة للمواطن اليمني عارف الصبري (مع أنه يعتبر كلمة مواطن علمانية) مفادها: إذا كان من حقك الديمقراطي (مع أنه يعتبر الديمقراطية كفراً) أن تؤلف كتيّباً ضد الحوار الوطني تقول فيه رأيك (اللاديمقراطي) تسخر فيه (مع أن السخرية حرام شرعاً) من قامات وطنية كياسين نعمان, وتوجه له اتهامات كيدية تعبر فيه عن “فساد طويتك” لا عن علمنة خصمك الاشتراكي, إذا كان من حقك أن تفعل ذلك .. فما ليس من حقك شرعاً ولا قانوناً أن تستخدم المساجد (التي هي شرعاً وقانوناً ملك لكل مواطن يمني) لنشر شتائمك ضد من تختلف معهم حتى ولو كان اختلافك معهم في نظرك عقائدياً, وإذا كان من حقك شتم الناس في كتاب فليس من حقك شتم الآخرين في منبر مسجد, لأن المسجد بصريح العبارة لفظاً ومعنى ليس منزلاً خاصاً بك ولا ميراثاً لأب أو أم أحد. عارف الصبري يمثل نموذجاً لحالة وعظية متأزمة نفسياً, فهو يجيد الصراخ مع أن ثقافته التدينية السطحية كانت ستسعفه ليدرك أن الصراخ محرم شرعاً على من يتبوأ منابر الدعوة لله التي شرطها “الحكمة والموعظة الحسنة”, لكن يمكن القول إن مشكلتنا مع الصبري في كتابه “الحوار عمار أم دمار” ليست في أنه يقول رأيه (الفاسد) ضد ياسين نعمان أو حتى رضية المتوكل وأمل الباشا وماجد المذحجي, فهؤلاء ليسوا منزهين عن النقد, لكن اعتراضنا يكمن في أمرين: الأول: أنه يكذب كذباً صريحاً عندما قال إن ياسين نعمان ضد الشريعة ولم يؤيد كلامه بدليل يقيني. الثاني: أنه اعتلى منبر مسجد النور بتعز واتخذ منه وسيلة لنفث أحقاده ومارس كذبه وتشهيره ضد ياسين , ثم حرض ضد أمل وماجد ورضية. القصة تكمن في أن بعضاً منا (مثقفين أو دعاة) مريض بأناه ويعتقد أن وجوده هو الحل لما يؤمن به وعدم وجوده هو الفساد بعينه, فعدم تمثيل من يسمون أنفسهم “علماء اليمن” في مؤتمر الحوار الوطني المرتقب جعل بعضهم يعتقد أن الاسلام في خطر وكأنهم الإسلام وكأن من هم في المؤتمر خارج دائرته, بل بلغ بعارف الصبري القول : «تصوروا معي كم عدد الذين يعرفون القبلة في مؤتمر الحوار», ولو كان عضواً في الحوار لأصبح المؤتمر عمار الخير والبناء. فيما يتعلق بكتاب الصبري، فإن من يقرأه مقارنة برد الدكتور ياسين المعنون ب(تهافت المقال الناجم عن فساد الاستدلال) يكتشف كم هو الفارق بين عقل ياسين المليء بالنضج المعرفي والعمق الفكري وبين رأس الصبري الممتلئ بكل ما نهى الدين عنه من جدال وسوء ظن ووو, بل إن كتاب الصبري المشار إليه أساء للصبري ورفع من قدر ياسين ليس فقط عند سياسيي الإصلاح الذين أعلنوا تبرؤهم من الكتاب كونه لا يمثل منهجهم, بل عند كثير من قواعد الإصلاح حتى إن نادر العريقي وهو (داعية إصلاحي) علّق على صفحته في الفيسبوك قائلاً: “من أراد أن يعرف الفارق بين عقل الفقيه وصراخ الواعظ .. وأن يعرف الفرق بين الفقه الحضاري وفقه العيش في الماضي.. وأن يعرف الفرق بين الفقه الحركي وبين فقه الجمود ..وأن يعرف الفرق بين من ينظرون في ضوء فقه الواقع ومن ينظرون في ضوء فقه الأحلام .. وأن يعرف الفرق بين من يدركون أنهم يعيشون زمن الضعف والتفتت ومن يظنون أنهم يعيشون زمن الخلافة الراشدة .. و أن يعرف الفرق بين من يحملون فقه العلماء ومن يحملون عمائمهم .. فليقرأ مقال شيخنا المفكر الراسخ محل الفخر (ياسين سعيد نعمان) الذي رد فيه على أخينا (عارف الصبري).، والذي أسماه (تهافت المقال و فساد الاستدلال).. فالمقال وإن كان طويلاً إلا أنه يعطيك من الفقه بقدر ما تعطيه من الفهم.” [email protected] رابط المقال على الفيس بوك