من نواميس الدهر المشهودة أن تكون العلاقة بين الطبقات الاجتماعية المتفاوتة سبباً من أسباب الازدهار للفن، فاليونانيون القدامى ما كان لهم أن يصلوا إلى ذلك القدر من الازدهار الأدبي والفني لولا المجتمع الطبقي الذي خَرسَن أساساته النظرية الفيلسوف أفلاطون في كتاب جمهوريته الفاضلة، حيث اعتبر التخصص والمراتبية لازمة من لوازم بناء الجمهورية الطوباوية. وفي العصر العباسي الثاني على عهد الخليفة هارون الرشيد شهدت بغداد ازدهاراً ثقافياً فنياً كبيراً، بمقابل التفاوتات الطبقية التي كانت محكومة بقدر كبير من المراتبية المفارقة لصريح النصوص الإسلامية النابعة من الدين الأصل، لا دين الكلام والاجتهاد.. وعلى ذات المنوال شهدت إيطاليا على عهد الأُسر الإقطاعية النبيلة في القرن الثالث عشر احتضاناً كبيراً لفناني التشكيل والعمارة والموسيقى.. في ذات الوقت الذي كان المجتمع الكبير يئن فيه تحت مظالم الإقطاع الدنيوي المُكرَّس بفتاوى كنسيَّة كئيبة. يُخيل إليّ أنه لولا أُسرة«آل مدتشي» الاقطاعية النبيلة لما تفرغ “ميكل انجلو” لملحمته الفنية الطاغية التي مثَّلت محطة حاسمة في فنون عصر النهضة بإيطاليا، وعلى هذا تُقاس الكثير من المنجزات الفنية. تلك الأحوال تكررت في فترة الفتوة الأُولى للبرجوازية “المركانتيلية” الوارثة لعناصر أساسية من الأرستقراطية الإقطاعية النبيلة، كما تكررت في عهد روسيا القيصرية التي أنجز فيها “تشايكوفسكي” و”غوغول” و”تشيخوف” ملاحم فنية في الموسيقى والسرد والمسرح. وبهذا المعنى نجد ذلك الخيط الرفيع الذي ربط بين ازدهار الموسيقى الكلاسيكية والمجتمع البرجوازي في طور فتوته الصاعدة في القرنين السابع عشر والثامن عشر. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك