تبلورت الموسيقى الكلاسيكية في أوروبا بالترافق مع الانتقالات المتسارعة للطبقة الإقطاعية النبيلة، التي تحولت لاحقاً إلى برجوازية أرستقراطية متخمة بالمال والعلم والوجاهة، ومن حسن حظ أوروبا والأوروبيين أن برجوازييهم لم يكونوا محدثي النعمة، ولم تكن حياتهم خالية من رؤية رائية للمستقبل وضروراته، بالرغم من وحشيتهم الناعمة التي تمثلت في علاقتهم النفعية تجاه من يبيعون قوة عملهم مقابل أجر . النعمة البرجوازية المقرونة بالطبقية المقطرة والأرستقراطية الحياتية جعلتهم يحتضنون القيم الفنية الرفيعة، بل إن قصورهم الكبيرة وحدائقهم الغناء وصالاتهم الفارهة كانت بمثابة المسارح اليومية للفنون المختلفة ، بما فيها فن الموسيقى . في تلك الأحوال من القرنين السابع والثامن عشر نشأت الأعمال الموسيقية الملحمية الكلاسيكية ، مستمدة روحها من الآلات الوترية حصراً ، ثم ترافقت مع آلات النقر وفي مقدمتها البيانو ، والإيقاعات بتنوعها . ولعل سائل يسأل : وما لنا من الموسيقى الكلاسيكية ؟ والجواب أننا بحاجة ماسة إلى هذا النمط من الموسيقى التعبيرية المجردة الرفيعة ، لأنها تتقدم على خطى اللغة الكونية التي يمكن تذوقها من كل البشر ، كما أنها ليست مقطوعة الجذر عن سابقاتها من الموسيقى الشعبية والدينية الأوروبية ، والأكثر من ذلك أنها متصلة بالموسيقى الأندلسية التي ألهمت كبار مؤلفي السمفونيات فن التنقل في اللوازم السماعية التعبيرية المتدفقة ضمن الحركات الأربع للعزف السمفوني. هذه الموسيقى تعبير ضاف عن مباهج الحياة وآلامها وأتراحها أيضاً ، وهي قيمة سماعية لا تتطلب منا سوى التعود على سماعها ، وإذا كانت غريبة عنا، فالسبب ثقافة الاستماع التي تجعلنا نسمع ما نألف ونرفض ما لا نألف ولو كانت على مرمى حجر من جغرافيتنا الذهنية والتاريخية . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك