أود الإشارة اليوم إلى الشعر العربي الكلاسيكي، المُجيَّر على العمود والقافية، حيث من الملاحظ أن المُسميات الخاصة بمُدخلاته مستمدة حصراً من فنون العمارة، فالعمود مرتكزه، كالخيمة والعمارة تماماً؛ والصدر والعجز إيماءٌ لعتبات المنازل، منذ الدخول إليها وحتى مغادرتها، فكما أن “صُدور” القوم مُقدَّمون على بقيتهم في المجالس، فالصَّدر في البيت الشعري يسبق العجز، والبيت كناية عن اسم البيت، بل هو بيت بصريح العبارة، وبه تكتمل الجملة الشعرية كاكتمال البيت بساكنه، والشعر بكاتبه.. والروي حالة الانسياب الشعري من بيت لآخر، في سياق رابط يَتَموْسق بلازمة صوتية لا مرد لها؛ تماماً كالجملة الموسيقية التي تعيد تكرار اللازمة اللحنية لزوم “الروي السماعي”. تلك الأوصاف التي تقرن الشعر بالعمارة شبيهة بالموسيقى الكلاسيكية القريبة من العمارة وبنائها الباذخ المُركَّب، ولهذا تميّزت بتسميتها، وتوازت مع زمنها الإبداعي. الزمن الإبداعي للموسيقى الكلاسيكية الأوروبية كان مشهوداً في القرنين السابع والثامن عشر، لكن المُقدمات سبقت ذلك، وقد قرأت في مقاربة شيِّقة عن أثر الموسيقى الأندلسية على الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية، من حيث التنقلات في الحركة من أدنى لأعلى، والعكس؛ ومن حيث الروافد الموسيقية المتنوعة لهما، من ناحية أخرى.. والأهم من هذا وذاك اقتران التجربتين بنمط من أنماط الارستقراطية الطبقية التي أفضت إلى توق نخبوي للتميُّز المُحتشد بالثراء المادي والروحي.. تعاطياً مع الجميل الباذخ، والكثير المُنظَّم. فالأندلس شهدت هذه الارستقراطية الطبقية المقرونة بثقافة موازية، واستطرد هذا الثراء الباذخ في عموم أوروبا لاحقاً؛ بصيغتيها الإقطاعي النبيل، والبرجوازي فاجر الثراء، وذلك خلال الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والثامن عشر. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك