هل يمكننا القول بأن احتضانات الإقطاع الأوروبي النبيل والبرجوازية الفتيَّة للفنون أفضت إلى تلك الأبنية الملحمية الهائلة في الموسيقى الكلاسيكية، كما لأنواع الفنون الاخرى؟ وهل يمكننا اعتبار الروافد الشعبية والدينية قيمة مضافة لا تقل أهمية عن دور الارستقراطية النبيلة بشقيها الإقطاعي والبرجوازي؟ وهل يقلل هذا الأمر من عبقرية ومثابة الموسيقيين الأفذاذ الذين قاموا بتلحين وتوليف تلك الروائع الملحمية الرفيعة؟ وهل كان تضافر تلك الروافد والإمكانيات والمَلَكات شرطاً سابقاً على المنجز الكبير؟ وهل تلاشت وخبت الروافد الشعبية الفولكلورية، عطفاً على التأليف والتوليف السيمفوني.. أم ظلت مغروسة في أساس وتضاعيف الموسيقى الكلاسيكية؟ وهل يمكننا اعتبار ذلك المنجز الكلاسيكي الموسيقي أوروبياً فحسب؟. كل سؤال من هذه الأسئلة بحاجة إلى جواب منفصل، وأعتقد جازماً أن كامل تلك الروافد أسهمت في انبعاث النفس الإحيائي النهضوي للموسيقي الكلاسيكية، وكانت مدن القرون الوسطى رافعة تمهيدية مؤكدة لعبقرية الذات الموسوعية المُغايرة للذوات المتشظِّيَة المتقلِّبة الحائرة التي خرجت من رحم الحداثة وما بعد الحداثة. وبمناسبة المقاربة الخاصة بأثر الموسيقى الأندلسية “المورسكية” على البُنية اللَّحنية الكلاسيكية؛ أُشير إلى أن فكرة البناء اللَّحني الأندلسي كان مقروناً بالأحوال والمقامات، حيث استَمدت روحها من الطبيعة وتقلُّباتها آناء الليل وأطراف النهار، تلك التقلبات التي تؤثر في العوالم الداخلية للأنا السامعة.. عندما كان الموشَّح التاريخي الأندلسي يُعزف في قصور إشبيلية وغرناطة، وكانت الجوقة الموسيقية تُباشر العزف في رابعة من ساعات الليل أو النهار، لتُبدِّلها جوقة أُخرى تستكمل العزف بالتداعي مع تقلبات الزمن الفيزيائي، حتى إن القصور المنيفة كانت تتهادى طوال ساعات اليوم مع المعزوفات الشجية الصادرة عن الآلات، كما عن أصوات المُنشدين. وقد كانت تلك الموشحات مُتَّسقة مع ثقافة “الاحتشاد الفني” التي تُميِّز الرؤية “العربسلامية” للفنون، مما سنأتي على ذكره تفصيلاً في مناسبة لاحقة، ذلك أن تلك الثقافة لم تكن في مجال الموسيقى والغناء فقط، بل أيضاً في كافة أنواع الفنون العربسلامية التي ما زالت تنطق بهذه الحقيقة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك