المؤلف الموسيقي النابغة بيتهوفن يمثل المحطة الأكثر أهمية في الموسيقى المجردة ذات الطابع الملحمي. وقبل الحديث عن اجتراحاته الفنية نشير إلى أنه كان سليل القرنين السابع والثامن عشر، فقد عاش في الفترة ما بين 1770 إلى 1872م. مولوداً في مدينة بون، وتوقه الدائم كان لعاصمة الموسيقى الأوروبية حينها “فيينا”.. ظهرت عبقريته منذ سن الثامنة، أكمل تأليف أول عمل فني وهو ما زال في الثانية عشرة من عمره. يجمع نقاد الموسيقيين على أن مثابة بيتهوفن تكمن في كونه أول موسيقي كلاسيكي يُبحر نحو المستقبل، أو يُمهد لموسيقى قادمة، والشاهد أنه أول من كسر حاجز البناء اللَّحني في قمة أعماله وأكثرها نضجاً “السيمفونية التاسعة” التي اعتبرها النقاد أهم عمل موسيقي كتب في التاريخ، وكانت مفاجأة الحضور المستمع لتلك التوليفة اللحنية أنه كسر حاجز الأداء المقرون بالآلات الموسيقية ليُدوْزن خواتم العمل بأصوات الجوقة “ الكورال” المقرونة بأصوات فردية “صولو”، في سابقة لم يتجرأ عليها أي مؤلف سابق عليه. ومن غرائب الدهر ومتواليات بيتهوفن العبقرية أن أشهر مؤلفاته الموسيقية كتبها وهو أصم لا يسمع.. وربما لهذا السبب، ولشعوره بالوحدة والاكتئاب، كانت أكثر درامية وصعقاً.. تلك المؤلفات ما زالت تعتبر إلى يومنا هذا، علامة فارقة في التأليف الموسيقي الملحمي، وهي على التوالي السيمفونيات الخامسة والسادسة والتاسعة. لم يتزوج بيتهوفن، وربما كانت الموسيقى سبباً في قلقه المستديم، وإبحاراته الأُفقية في أحوال الوجود، بل إنه وخلال سنواته الأخيرة اتجه نحو التأليف الموسيقي غير المألوف والمعقد، وهو أمر اعتبره النقاد نزعة مستقبلية، ولعل الصمم كان له أثر مؤكد في هذا المنحى التجريبي التجريدي الذي فاض بجديد الموسيقى الكلاسيكية، ووضع بيتهوفن في مقدمة الركب، مُتجاوزاً مُجايليه، بل إن نزعته التجاوزية بدأت منذ خلافه المبكر مع معلمه الموسيقار الكبير هايدن. في السيمفونية التاسعة اعتدَّ بتهوفن برسالة ناجزة مفادها أن “كل البشر سيصبحون إخوة”، لكن الزمن خيب آماله، فالبشر ازدادوا عتواً ونفوراً، وأنجزت المتاهة الأوروبية مشاريع استعمارية استباحية، بالإضافة إلى حربين كونيتين مدمرتين، كانتا بماثبة التمهيد للحرب الباردة المديدة التي تحاول اليوم إعادة إنتاج نفسها بكيفة “فوق تراجيدية”. مؤلفاته الموسيقية تراوحت ما بين البسيط والمُعقَّد، وجاءت المصفوفة على نحو أُفقي يمتد على مدى تسع سيمفونيات ملحمية، وعديد الكونشيرتات التي تستقيم على “حوارية آلات العزف” المحدودة ، وبضع سوناتات تستقيم على الآلة المفردة، وبعض المؤثرات الصوتية، وكثير من المقدمات اللَّحنية لأعمال أوبرالية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك