لا تختلف السلالم الموسيقية في معناها ومبناها عن ظواهر الوجود المختلفة، وإن كانت أكثر تجريداً وانسياباً في الأثير، ويعتقد «علماء الهيئة» من أسلافنا الكبار أن الظواهر متنوعة والدلالة واحدة ، وهم بهذا القدر يقدمون علماً للجمال يتجاوز الانحسار داخل النوع الفني الواحد، بل إن الفن ليس إلا شكلاً من أشكال تجلي نواميس الوجود الكلية النابعة من الحق . عطفاً على ما سبق واستطراداً على تجربة «ناس الغيوان» الموسيقية الشعبية المغاربية التي أسلفنا الحديث عنها يمكن ملاحظة التربيع والتدوير في جملة الألحان المقدمة على أساس السلالم الموسيقية «الرباعي والخماسي السداسي» ، فالأغاني المعتمدة على الرباعي تغيم في فضاءات الإيقاع المترحّل في التغيير واللوازم الانتقالية التي تذكرنا بالموشحات الأندلسية الموصولة ضمناً بطرائق التأليف الموسيقي الكلاسيكي، حيث نجد أن الأعمال الكلاسيكية لكبار المؤلفين الأوروبيين أمثال «بيتهوفن» و«فيفالدي» و«باخ» و«موتسارت»تستقيم على بنية لحنية رباعية، تماماً كالدراما الملحمية الإغريقية التي كانت بنائياً شبيهة بالموسيقى الكلاسيكية حتى إننا يمكن أن نعتبر «هوميروس» مؤلفاً موسيقياً كلاسيكياً. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للرباعي، فإن السلم الخماسي يدور في حلزون اللازمة التي تعيد إنتاج نفسها تكابراً وتصاغراً، فيما تقدم شكلاً من أشكال التطهر «كاثارسيس» بالمعنى الإغريقي للكلمة أيضاً ، وتشكل واحدة من أوجه العطاء الفني الزاخر للمغرب الكبير .