الكتابة عن التجربة الموسيقية المغاربية لفرقة “ ناس الغيوان “ تتّسم بقدر ملحوظ من المغامرة اعتماداً على طبيعة التجربة المتقاطعة مع الغناء والألحان الفولكلورية المغاربية ذات الطابع المركّب. لقد استمعت إلى التجربة عبر الوسائط الصوتية التقليدية، وبالتالي فإن بعضاً مما سأذهب إليه سيحلّق على جناح الخيال أو التصور استناداً إلى طبيعة الاستماع، فالفرق كبير بين الاستماع المباشر الحي والاستماع عبر أشرطة الكاسيت والاسطوانات المُدمجة، تماماً كالفرق بين مشاهدة المسرح على الخشبة الحيّة، وبين المشاهدة عبر التلفزيون أو الفيديو، لكن الأمر بالنسبة للموسيقى قد يكون أقل صعوبة باعتبار أن التجريد هو البُعد الحاسم في العمل الموسيقي، والنغمة هي الحامل الأكبر للتمثّل الجمالي. وترافقت تجربة فرقة “ ناس الغيوان “ مع المد السياسي في العالم العربي الذي ازدهر في سبعينيات القرن المنصرم، وأثمر أصواتاً غنائية ومواضيع ملتزمة كالتي يمكن ملاحظتها في فرقة “ ناس الغيوان “ وأعمال الفنان مارسيل خليفة، والعديد من المحطات الأخرى الأقل شهرة وأثراً . المقدمات الأساسية التي اتسمت بها تجربة “ ناس الغيوان “ الفنية يمكن تلخيصها في التنوع الكبير للفضاءات اللحنية التي تتاخم السلالم الموسيقية المختلفة وخاصة السباعي والخماسي والسداسي، ونحن نعلم أن السلم السباعي يزدهر على وجه أخص في البلدان العربية المتشاطئة مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط، كما يحضر بسخاء وافر في المشرق والمغرب العربيين، ويتسم هذا السلم بقابليات استثنائية في تنعيم اللحن بالزخارف الموسيقية، كما يتسم بقابليات إيقاعية متسارعة كتلك التي يمكن أن نجدها في الموسيقى الشعبية المنتشرة في مختلف بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، ابتداء من البرتغال وإسبانيا وحتى اليونان وتركيا، إلى ذلك يحضر السلم الخماسي الممتد في عمق الصحراء الإفريقية الكبير وصولاً إلى السودان ومروراً عبر موريتانيا وتشاد ومالي وحتى الصومال وإثيوبيا واريتريا. ثم إن السلم السداسي يظهر أيضاً بوضوح تام عند الفرقة، مما يضعنا أمام بانوراما لحنية متعددة وواسعة تجد مشروعها الجمالي في الفن الشعبي المغاربي، وليس المغربي فحسب، باعتبار أن المغاربية اصطلاح أشمل من مجرد الإشارة للملكة المغربية، وهي تشمل كإقليم إبداعي وثقافي دول المغرب العربي، إضافة إلى الدول المحاذية لها في الجنوب وخاصة النيجر وتشاد والسنغال ومالي