تعد عملية مكافحة الفساد في الدول المتقدمة من مسؤولية السلطات التنفيذية في هذه الدول وفي مقدمتها الحكومات وهي تستعين بأجهزة القضاء في القيام بهذه المهمة، بل إنها جزء من الإدارة التنفيذية والرقابية، حيث تقوم بالرقابة على الأداء وهي تستعين من أجل تنفيذ هذه المهمة بالأجهزة الفنية التابعة للجهاز التنفيذي للدولة كالرقابة والمحاسبة وبأجهزة القضاء والنيابة العامة. كما أن أجهزة الرقابة والمحاسبة هي أجهزة فنية تساعد السلطات التنفيذية في استنباط الأدلة من خلال إجراء العمليات الحسابية، لاسيما إذا كان الفساد مالياً. ومع احترامنا لكل الأسماء التي تطرح من النساء والرجال كمرشحين لشغل مناصب ما يسمى بهيئة مكافحة الفساد، إلا أننا مازلنا نعتقد بأن مكافحة الفساد هي مسؤولية الحكومة بدرجة رئيسة، بل هو جزء أصيل من مهمتها ومسؤولياتها الإدارية. ويدخل في صلب اهتمامات الحكومة تطهير الجهاز الإداري للدولة من تركة الفساد الكبيرة التي ورثتها من نظام الرئيس السابق علي صالح، وأصبحت تلتهم كل مخصصات التنمية وتأهيل من لم يؤهلوا من أنصاف الأميين وغير المتخصصين في الجهاز الإداري للدولة، بحيث لا يشكلون أعباء جديدة على الجهاز الإداري للدولة في المستقبل أو عوائق جديدة للتنمية. ويدخل في هذا الإطار القضاء على الازدواج الوظيفي وإلغاء الأسماء الوهمية وإعادة النظر في المرتبات والموازنات التي يستلمها الأغنياء كالمشايخ وكذلك مرافقوهم بما في ذلك مصلحة شؤون القبائل وإحالة من يستحق من المنتمين إلى هذه الفئات والجهات إلى شبكات الأمان الاجتماعي والقضاء على الفقر. تلك هي جزء من عملية مكافحة الفساد، والتي ينبغي أن تضطلع بها الحكومة، وهي مهمة جوهرية من مهامها، فإذا اكتشف الوزير لصاً كبيراً أو صغيراً تحت إدارته، وهو لا يستطيع أن يحيله إلى التحقيق لإثبات براءته، فهو وزير بدون الواو مع احترامنا.. بل إن عملية مكافحة الفساد هي جزء أصيل من مسؤولية السلطة التنفيذية بكامل هيئتها، فكل مسؤول يتحمل مسؤولية من هم دونه. فإذا اكتشف رئيس الحكومة انحرافاً لدى أحد وزرائه فعليه أن يعالجه، وإذا اتضح بأن الوزير متورط في الفساد فإن مسؤولية رئيس الحكومة أن يحيله إلى النيابة العامة والقضاء عموماً بالتعاون مع رئيس الدولة. ومن ضمن مسؤوليات رئيس الحكومة مراقبة أداء وزرائه، حيث تمثل الرقابة جزءاً أصيلاً من حلقات الإدارة سواء كانت اقتصادية أو سياسية.. أما إذا كان رئيس الحكومة يرفع شعار «الفساد ملح التنمية» فإن من واجب رئيس الدولة مراقبة أدائه، وهناك أدوات رقابية كثيرة في اليمن وأهمها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.. هذا فضلاً عن القضاء الذي يلعب دوراً كبيراً في كشف مواطن الفساد. وتلعب الصحافة دوراً شعبياً من خارج الأجهزة الرسمية في مكافحة الفساد، لاسيما إذا استخدمت الوثائق التي تستفيد منها النيابة العامة والأجهزة القضائية، وهي كذلك أداة رسمية وشعبية لمكافحة الفساد وأداة ردع أدبية لمحاربة الفساد. أما إنشاء جهاز لمكافحة الفساد فوق ما هو قائم من رقابة ومحاسبة وجهاز قضائي فهو نوع من تضخيم البيروقراطية الإدارية وإفساد الطبخة كما يقال؛ لأن تعدد الجهات التي تكافح الفساد تمثل نوعاً من الازدواج في المسؤوليات وزيادة في النفقات، وهو اختراع نظام فاسد لا يعرف ما هي مهمته أو يعرف ما هي مهمته، ولكنه يسعى إلى زيادة الأعباء المالية على الجهاز الإداري للدولة. والمثل اليمني يقول: «إذا كثر الطباخون فسد اللحم»، أو كما يقال في علم الإدارة: «إذا أردت أن تفسد شيئاً فأحيله إلى لجنة». [email protected] رابط المقال على الفيس بوك