حين تحولت تعز إلى مرموز مكثف في القوى الشابة (الأقل تلوثاً) الخارجة من ثنايا الاحتراب الجمهوري الملكي خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الجمهورية الوليدة، لم يكن أمام القوى التقليدية(قبلية وعسكرية )سوى أن تنجز مخطط إفراغ الجمهورية من مضامينها التحديثية والذي بدأته فعلياً بانقلاب 5 نوفمبر 67 وكان لها ما أرادت في أغسطس 68حين أجهزت على القوى الشابة الصاعدة في الجيش التي حمت صنعاء في حصار السبعين يوماً. أحداث أغسطس الدامية المتدثرة بلبوس الطائفية المقيتة وتداعياتها اللاحقة كان الهدف منها تصفية تعز (الجديدة) التي حملت إلى الدولة الوليدة مشروعاً مختلفاً ومتقاطعاً مع المشروع التقليدي الذي لا أحد ينكر انخراط رموز مشيخية محسوبة على تعز فيه . معاناة تعز الجديدة مع نخب الحكم المركزي«التحالفات الواسعة للقوى التقليدية» في صنعاء ستبدأ من هنا إما بالتصفية أو بالإزاحات الممنهجة لكل مايشير إليها بوصفها مركز التحول. صحيح أن حضور تعز في الحياة العامة ظل طاغياً وتكثف في الوظيفة العامة والنخب الاقتصادية والنقابية والسياسية ، غير أن تأثير هذا الحضور سيخفت تدريجياً بسبب غياب غطاء القوة ومسنوداته والذي عظم ليكون حكراً على المناطق المحيطة بالمركز دون سواها. ترافقت هذه الإزاحات مع اتباع السلطة المركزية في صنعاء لسياسات الاقصاء والتهميش الاقتصادي والاجتماعي بجعلها محافظة طاردة لا توفر لأبنائها أبسط الخدمات مثل الماء (فمدينة تعز منذ أكثر من ربع قرن تعاني من ندرة الماء دون أن تعمل الحكومات المتعاقبة على حل مشكلته) إلى جانب حرمان المحافظة من مشاريع التنمية القادرة على استيعاب قوى العمل الكثيفة ،مما جعل أبناء المحافظة الحاصلين على قدر من التأهيل والتعليم التذرر في كل الجغرافيا اليمنية كموظفين وعمال جلداء وصبورين. الشيء الأخطر من هذا كله أن السلطة المركزية دوماً ما تعهد بإدارة المحافظة إلى شخصيات تدين بالولاء للمركز وقوى النفوذ فيه أكثر من محبتها لمحافظتها ، لهذا كان يقع الاختيار على أفراد مجبولين على خصومات أخلاقية مع المجتمع لإدارتها. وحين تحولت تعز مطلع العام 2011 إلى حاضنة للثورة السلمية ورافعة للتغيير إنما كانت تعبر عن روحها المختلفة التي حاولوا قتلها بصنوف الاقصاء والتهميش ،العقاب الجماعي على مدى عقود. لهذا فتحويل تعز الآن إلى مساحة لتصارع مراكز القوى في المركز ليس رد فعل لحضورها هذا فقط وإنما أيضاً رغبة أزلية دفينة تتحكم في القوى التقليدية لإخماد صوت هذه المحافظة التي إن نهضت نهض معها اليمن برمته ،لهذا لا يراد لها الاستقرار ، والتعويل لابد أن يكون على قوى الحداثة والمدنية لإسناد تعز في مواجهة قوى التخلف والتوحش التي تتحكم بمصائر البلاد التي حان الوقت لتعيش بكرامة. رابط المقال على الفيس بوك