ونحن نستعرض أحياناً بعض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لليمن ونرفع أصواتنا احتجاجاً عالياً على مثل هذه التدخلات السافرة تارة في شكل شحنات الأسلحة وأخرى في أشكال التحريض الإعلامي، فإن الواجب يحتم علينا – أيضاً – تعرية تلك القوى والرموز التي هي بمثابة أدوات لتنفيذ تلك التدخلات من حيث إسهامها في تمرير صفقات الأسلحة واستخدامها، فضلاً عن تبييض الأموال ودفعها لعناصر الإرهاب والأعمال التخريبية وإثارة الأحقاد والبغضاء بين ابناء الوطن الواحد. وليس مستغرباً أن نجد هؤلاء – أحياناً – في ثياب الرهبان وأخرى يرتدون قفازات الحرير ، يطلون علينا عبر شاشات التلفاز ويلقون علينا الخطب العصماء ويجاهرون بالعداء للقيم والثوابت الوطنية ، بل ويرفضون – صراحة – كل الدعوات الصادقة للحوار الوطني تحت ظلال الحرية والمكاشفة والمصارحة التي تهدف إلى إعادة إعمار اليمن وإقامة منظومة حديثة للحكم وتطبيق سيادة النظام والقانون يتساوى فيه كل أبناء الوطن دون تمييز أو استثناء.
أعود فأقول إنه في الوقت الذي يجب علينا فيه محاسبة تلك القوى الإقليمية الضالعة حتى أرنبة أذنيها في الشأن الداخلي لليمن.. أيضاً ينبغي لنا أن نحاسب تلك القيادات التي تدّعي أحقية في تمثيل جغرافي أو أنها تدّعي احتكاراً في تمثيل مذهبي أو طائفي لفئة بعينها.. على هؤلاء جميعاً أن يعودوا إلى جادة الصواب وحقائق التاريخ والجغرافيا وثوابت الأمة ومصالح الوطن والشعب، حيث لا تستقيم تطلعات المجتمع مع دعوات التشظي والتشرذم والاحتراب وإذكاء أمراض المذهبية والمناطقية، وبالتالي فإنه لا مناص أمام من يدعون إلى ذلك غير القبول بدعوات الحوار الوطني والخلاص من رواسب الماضي بكل سلبياته والدخول في معترك متطلبات الحاضر والمستقبل بروح جديدة تحرص على تناغم نسيج الأمة الاجتماعي والثقافي وبما يجنبها مخاطر العودة إلى مربعات التجريب التي أعاقت عملية التطور لعقود طويلة من الزمن.
وفي مثل هذا المقام علينا التذكير بتلك المآلات السلبية التي أقحمت الوطن في الكثير من الأزمات والصراعات التي أتت على الأخضر واليابس كما هي الحالة ببعض التجارب في عدد غير قليل من الأقطار العربية «كالحالة اللبنانية مثلاً» والتي تفشت فيها ظواهر الاحتراب الداخلي والصراعات الأهلية التي عصفت بتلك الأقطار بسبب تدخل الخارج واطروحات النخب في المطالبة بالتجزئة والانعزالية وإمعان هذه النخب في تلك الطروحات التي استبدت بها روح الأنانية والمصالح الذاتية على ما عداها من مصالح المجتمع والأمة.
ومع الإقرار بأن ثمة أطرافاً إقليمية تريد استغلال الموقع الجيو - سياسي لليمن وجره إلى مربع لتصفية حساباتها مع بعض دول المنطقة، فانه ينبغي لنا الاعتراف بأن هناك قوى داخلية تعتبر بمثابة ورقة طيعة بيد هذه القوى لتمرير هذا المخطط الذي لا يعلم أحد أين منتهاه، بل و إلى أين سيفضي بنا في حال مكّنا له سبل النمو وساهمنا – كنخب – بشكل أو بآخر على تمدد أطرافه وأدواته وتأثيرها المباشر على وحدة واستقرار وتطور اليمن ،ولذلك علينا – وقبل كل شيء – أن نستوعب هذه الرهانات على مستقبل الوطن وتماسك أبنائه بالعمل الجاد على رفض تلك التدخلات الخارجية والدخول – دون تحفظ أو اشتراط - في معترك الحوار الحضاري الذي لا بديل عنه ونحن ننشد صياغة وبناء مستقبل اليمن الجديد. رابط المقال على الفيس بوك