كنت - ولا أزال – أعوّل على النخب السياسية والإعلامية الأمل في أن تنتصر لقيم الحوار ونبذ أساليب التعصب والانغلاق ، فضلاً عن النأي بالوطن والتجربة عن التجاذبات السلبية إزاء القضايا الحيوية الشائكة، حيث يستطيب – للأسف الشديد – لبعض هذه النخب إذكاء نار الاختلاف وأحياناً التخندق خلف قوالب جامدة تعيد الوطن إلى مربعات التشظي وتنزلق به إلى مسارات الانحدار نحو المجهول. وتزداد أهمية التعويل على دور إيجابي لهذه النخب مع حجم الثقة التي يوليها المواطن البسيط عليها لتجاوز الراهن من المشكلات، باعتبار أن أصحاب الرأي والفكر وقادة العمل السياسي يتحلون بالنضج العقلي وروح الانتماء الوطني وبحيث يُفترض أن يعملوا على تجنيب التجربة مغبة الانزلاق إلى مخاطر غير محسوبة النتائج.
ومع كل تلك الرهانات فقد خاب ظن الكثيرين من البسطاء في توجهات هذه النخب التي أدى - شطط بعضها- إلى التمترس خلف أوهام تجزئة الوطن دون مراعاة لحقائق التاريخ والجغرافيا ودون اعتبار لمخاطر ما قد تؤول إليه مثل هذه الأطروحات على صعيد الاستقرار الداخلي، فضلاً عن مخاطر الدفع بالوطن الواحد إلى التجزئة التي لا يستطيع أحد التحكم بمآلاتها الخطرة بالإضافة إلى أن مثل هذه الأطروحات التي يتبناها ويبشر بها بعض الساسة والنخب ممن يطلون علينا بين الحين والآخر لا تستقيم مع مناقبية الانتماء الوطني، بل وتبرر لتمرير مخطط يستهدف تقويض استقرار اليمن، وبالتالي سهولة الانقضاض على مقدراته والسيطرة عليه ومحاولة عزله عن محيطة العربي وجعله رهينة لحسابات وصراعات إقليمية تبدو معالمها واضحة وتتجلى في احتدام المواجهة العلنية وغير العلنية بين دول الخليج ومعها الغرب والولايات المتحدة الإمريكية من جهة وإيران وروسيا وبعض الدول من جهة أخرى، حيث يتطلب الأمر من الأطراف المعنية أن تعيد النظر في حساباتها الخاطئة و الهادفة تقويض وحدة اليمن وبما يغلق النوافذ أمام محاولات التدخل الخارجي لإبقاء اليمن ساحة للصراع والنفوذ الإقليمي الذي سيرتب أعباءً إضافية ومريرة على اليمن ودول المنطقة ككل.
وإذا كنا نطالب تلك النخب بإعادة التفكير في أُطروحاتها المتناقضة مع ثوابت وقيم الأمة فإننا ينبغي ألا نتناسى دعوة وحث تلك القوى والنخب التي ما تزال صامتة إزاء هذا النهج التدميري دون أن يقولوا – حتى – كلمة صدق عملاً بالحديث الشريف المؤكد على ضرورة القول الحق في وجه السلطان الجائر، مع أن الأمر هنا يتعلق – ليس بالسلطان – وإنما بتلك النخب التي استمرأت التغريد خارج سرب الوفاق والاتفاق ومضت تحمل معاول الهدم والتخريب .
فهل تعي النخب السياسية والإعلامية هذه المسؤولية وهي تنأى بنفسها عن المشاركة في الحوار الوطني وتقحم نفسها في لعبة التجاذبات، بل وتقدم نفسها أيضاً على أنها صاحبة مشاريع تفتيتية بدلاّ من أن تكون صاحبة رؤية وحدوية يستقيم فيها مضمون ومطالب تحديث الدولة وكذلك انضباطية التمسك بثوابت وقيم الأمة.
نأمل أن تكون الإجابة على مثل هذا التساؤل مبنية على قراءة واعية وموضوعية لمخاطر النزوع الأناني الضيق الذي يستبد ببعض هذه النخب وهي تبحث في قواميس البلاغة عن مفردات وعبارات تبريرية لكل ما يعتمل في نفسها من محاولات لإجهاض الحلم في إنجاز التغيير المنشود .. وعندها – فقط – يكون الوقت قد حان لسقوط أقنعة هذه النخب !! رابط المقال على الفيس بوك