في مثل هذا اليوم سقط مبارك في مصر وكان بداية التحول والتحرر لمصر من حكم عسكري مستبد كنت في صنعاء وليلة رحيل مبارك.. مررت على بعض شوارع العاصمة.. رأيت جموع المواطنين تتابع باهتمام بالغ لحظات السقوط المدوي لنظام أرهق مصر كثيراً. وأسمع من هنا وهناك أن شباب تعز وفي شارع التحرير يتجمعون في قلب المدينةتعز ليصنعوا حدثاً كهذا الذي يحدث في مصر.. خاصة بعد إعلان عمر سليمان تنحي مبارك عن الحكم كانت الأنباء في صنعاء تنتشر كالنار في الهشيم أن شباب تعز أعلنوا اعتصامهم في شارع التحرير وقد أدوا صلاتي المغرب والعشاء هناك ويهتفون ب “ الشعب يريد إسقاط النظام “ كنتُ فرحاً ومغتبطاً ليس لأن مدينتي تعز تتحرك تصحو وإنما لأن هذا التحرك هو بشارة فجر جديد لليمن كل اليمن سقوط بن علي في تونس وبعده مبارك في مصر كان يعني وبكل ثقة أن زمن الشعوب آن وزمن الاستبداد إلى زوال. في اليوم التالي لسقوط مبارك ذهبت لزيارة قريب لي في جامعة العلوم والتكنلوجيا وجلسنا في مكان نرى فيه العاصمة وأهم معالمها وكانت هذه أول زيارة لي إلى صنعاء كان قريبي وصديقي يؤشر بيده ويقول هناك جامعة صنعاء وهذا أمامك شارع الستين وهذه جولة مذبح وهناك مقر الفرقة الأولى مدرع وهناك جامعة الإيمان وذاك مبنى مجلس النواب الجديد الذي لم يكتمل بناؤه. وهناك حدة والسبعين وذاك نصب الحكمة اليمانية الذي أصبح رمزاً للثورة الشبابية الشعبية وبينما نحن على التلة المرتفعة كانت هناك أطقم عسكرية تطارد عشرات الطلاب أو مئات منهم يطالبون بإسقاط النظام تحدثت مع قريبي وصديقي حول تباشير الفجر القادم.. فقلت له آنذاك “ لا تقل إن هناك ثورة وصحوة للشعب إلا عندما ترى هذا الشارع الذي أمامك «أقصد به شارع الستين” ممتلأ بالحشود ليس هذا فقط بل فوق ذلك لديها الصبر والاحتمال في مواجهة كل أنواع القتل الذي سيلجأ إليه النظام.. وافقني ذلك وهو يتأمل بعمق ولديه أمل كبير بقرب ذلك اليوم عُدت إلى تعز مدينة الأحلام لأرى عزيمة لدى الناس على تغيير الواقع المتخلف واعتدني الذي يعيشونه وانتقلت المجاميع الشبابية الثورية من شارع التحرير إلى عصيفرة شارع الهريش باتفاق مع السلطة المحلية وسماها شباب الثورة “ ساحة الحرية” هدفت السلطة المحلية من ذلك إلى كبت روح الثورة المتصاعد لدى شباب تعز ولكن شباب تعز أحالوا ساحة الحرية إلى قلب للمدينة يتوافد إليه الناس من كل أنحاء تعز. كان لتأسيس ساحة الحرية كبير الأثر على بث روح الثورة في جسد الوطن، حيث كانت ساحة التغيير بعد ذلك في 14 فبراير في صنعاء وساحات أخرى للحرية والتغيير في مختلف المحافظات. وبدأت أول جمعة جمعة البداية وكان أول شهيد مازن البُذيجي في هذه الجمعة وتوالى خروجنا في المسيرات الثورية وشعارات الرحيل تغلي الثورة في تعز، فيمتد لظاها اليمن كله من شرقه لغربه ومن أقصاه إلى أقصاه ويهتز عرش الأسرة الحاكمة ويهتز عرش الفساد والطغيان وبالرغم من البطش والرصاص الحي ومسيلات الدموع والمدافع ودانات الدبابات إلا أن تعز كانت كل فجر يولد أكثر قوة من الذي مر ،كنا في المسيرات نمر تحت حر الشمس فتخرج النسوة من نوافذ المنازل وسقوفها يرششن الماء على المتظاهرين للتخفيف من شدة الحرارة وبعضهن يرمين الورود والفل على هذه المسيرات المليونية الحاشدة. أحرقوا ساحة الحرية ولكن الثورة زاد أوراها ولهيبها وكلما عمدوا إلى محاولة إخمادها زاد الثوار وكل أبناء تعز إصراراً على مواصلة الثورة وإصراراً على الوفاء لشهدائها بتحقيق النصر وإسقاط النظام .. الذكريات الثورية هي أجمل وأعز ما عشته اليوم هناك من يحاول إجهاض حلم تعز بالتنمية والمدنية، ولكن باسم هذه الثورة التي شارك بها جموع الشعب رجالاً ونساءً لأن الخوف من تعز مازال قابعاً في أذهان رموز النظام القديم حتى أولئك الذين أعلنوا انضمامهم للثورة.. وأزعجهم أن يكون لتعز محافظ ملتزم إداري ناجح ورجل تنمية، لكننا ندعو الله أولاً أن يخيب مسعاهم وندعو شباب الثورة للحذر من هؤلاء وأن يكونوا يداً واحدة في سبيل تنمية تعز وتطورها ولتكن بحق عاصمة اليمن الثقافية وقبل المصالح الحزبية الضيقة تكون مصلحة تعزواليمن ووقى الله تعزواليمن كل سوء وإلى موضوع آخر.