طوال عام كامل أمطرنا ساسة ومثقفي الشمال وثواره وثيرانه بحديث مطول عن الثورة القادمة من خلف كهوف التاريخ وعن الشعب المسلح الذي رمى بسلاحه جانبا ومضى منطلقا باحثا عن السلام والسلمية والحرية مؤسسا لليمن الجديد الشعب الذي سوف يسقط نظام القبيلة والعسكر. لايزال حتى اللحظة منظر الثائرة المبجلة "توكل كرمان" وهي تتقدم الصفوف وتهتف من على منصة ساحة التغيير بصنعاء (( كل مازدنا شهيد اهتز عرشك )) ملتصق بذاكرتي ،عام كامل من الكذب والخداع والثورة المثورة الفاسدة التي لم تنتج الاواقعا بائسا مشوها لايمكن له ان يقدم جديد.
في مارس الماضي فيما كانت برفقة صديقي على طول الطريق البحري بعدن بسيارته كنا نستمع إلى الإذاعة وهي تبث أنباء خبر مقتل العشرات في جمعة الكرامة التفت إلى صديقي وقلت له( وأخيرا سيصنع الشمال عهدا جديدا وسيلتحق بالجنوب لكي يشكلان من جديد الوطن الذي حلمنا به في العام 1990).
التقت الي صديقي وانفجر ضاحكا وقال :" لاتصدق ياعزيزي .. ستذهب كل هذه الدماء هدرا مثلما ذهبت دماء الحمدي وأبطال ثورة 26 سبتمبر وغيرها الكثير وسيظل الشمال هو الشمال ببزته القبلية وفكره المتخلف ولن يتغير شيء . قلت مدافعا : لاياصديقي شمال اليوم ليس شمال اليوم شمال اليوم هو شمال توكل كرمان وشباب التغيير وساحاته والوطن الجديد . مضت الأيام والشهور وتوالى سقوط الشهداء في صنعاءوعدن وغيرها من المدن اليمنية وسالت الدماء وعزت التضحيات وكنا نظن ان اليمن بشماله وجنوبه يمضي في طريق الحرية لأجل اليمن الجديد يمن الثورة والحرية والكرامة .
الثلاثاء الماضي وصلتني رسالة وسائط قصيرة على هاتفي الجوال من صديقي وفيها تظهر الثائرة "توكل كرمان" وهي تشير بإصبعها بعد مشاركتها في الانتخابات الرئاسية وأسفل الصورة كتب صديقي " كل ما زدنا شهيد اهتز عرشك". التقيت بصديقي بعدها بيوم ومررنا بذات الطريق وكأنه كان يتعمد ذلك التفت ناحيتي وقال ساخراً :" الم اقل لك الشمال هو الشمال كان علي عبدالله صالح ونظام حكمه يحكم وحيدا واليوم أضافوا له جماعات الزنداني الإسلامية والثقل القبلي المتخلف ممثلا ببيت ال الأحمر وعنجهية العسكر ممثلة باللواء علي محسن الأحمر .
صمت قليلا وانفجر ضاحكا وقال :" هذا هو اليمن الجديد الذي أنتجته الثورة .. وراح يغني :" كلما زدنا شهيد اهتز عرشك . اعترف اليوم إنني أحس بندم شديد على كل لحظة أيدت فيها هذه الثورة التي من الظلم الشديد تسميتها (ثورة )بل أنها مهزلة بكل ماتحمله الكلمة من معنى فلايمكن لثورة ما في الوجود ان تنتج واقعا بائسا كهذا .
ثورة الشمال وثيرانه الذين اعتلوا منصاته لم يكن لهم من هم إلا الوصول إلى السلطة بما فيهم الثائرة توكل كرمان وكل كذبة منصة التغيير والأحزاب السياسية التي سرقت الثورة .. أريد ان اسأل اليوم عن أي يمن جديد يتحدثون ؟ وعن أي ثورة يمكن لنا القبول بها وهي أعادت اليمن إلى الخلف مئات السنين وأنتجت واقعا مخيفا مظلما شديد الاسوداد.
أكثر الأشياء إثارة للسخرية هي حديث البعض من نشطاء الشمال عن انتصار الثورة المزعومة ! عن أي انتصار تتحدثون ياهؤلاء نظام صالح لايزال مثلما يحكم بالحديد والنار لم يتغير شيء لم يتبدل شيء صالح هو ذات صالح بل الاسوأ من كل هذا انه تمت إضافة فسدة المعارضة وشيوخ القبائل والعسكر إلى نظام حكم فاسد اصلا .
ذات النظام لايزال يحكم أريد ان افهم فقط عن أي أخلاقيات يتحدث بها هؤلاء حينما يكون "عبدربه منصور هادي" إلى ماقبل أشهر من اليوم الرجل الفاسد والظالم والناهب واحد أركان النظام الذي خرج متظاهري صنعاء لأجل إسقاطه قبل شهور واليوم يرفعون صوره ويتحدثون عن انه منقذ اليمن ..
أريد ان افهم أين يحدث هذا؟ وبأي وطن ؟ وبأي ارض هل انا مجنون أم إنني أقف أمام شعب وثورة عجيبة غريبة .. منصور هادي هو ذات الشخص الذي مزقت صوره قبل أشهر بساحة التغيير بصنعاء وتم وصفه بأنه احد أركان النظام الفاسد واليوم ذات الشخص تتزين به ذات الساحة وترفع صوره كرمز وطني مبجل!؟.
الثورات دائما وأبدا هي الثورات التي تخلق واقعا جديدا مليئا بالحرية والديمقراطية أما ماحدث في اليمن خلال الأشهر الماضية لم يكن إلا مسرحية هزيلة أثبتت وبالدليل القاطع ان الشمال لايزال يعيش في كهوف القرن الخامس عشر ولايمكن له ان يتغير قيد أنملة .
حينما تفاعل الشعب في الجنوب مع اصداء الثورة في الشمال كان يظن انها ستنتج واقعا ليس فيه "علي صالح" ولانظام حكمه ولا علي محسن ولا حزب الإصلاح الذي اباح دماء ابنائه ، واقع سينفي القبيلة وسطوتها الى مزبلة التاريخ لكن شيء من هذا لم يحدث ابدا .
في مواجهة كل هذا السخف وهذا العبط وكل هذه المتاجرة بدماء الأبرياء من الإخوة الشهداء في شمال اليمن لا يمكنني إلا ان أقول رحمة الله على كل الدماء التي سالت في شوارع صنعاء وتعز وغيرها وهي تسعى لأجل اليمن الذي حلمنا به ولكنه ذهب إلى غياهب الجب.
الثورة العظيمة والثورة الحقيقية هي ثورة الشعب في الجنوب هذا الشعب العظيم الذي لايؤمن بالأصنام ولا يملك مشائخ يقودونه مثل القطيع وعلى أبناء الجنوب كافة التمسك بثورتهم وقضيتهم والانتصار لها فلا امل من أي ثورة تأتي من الشمال.