“اذا خرجت تعز فعلى النظام ان يبدأ مراجعة الحساب” بهذه العبارة المركزة لخص الكاتب والصحفي اليمني نصر طه مصطفى تأثير محافظة تعز على صناعة التحول في اليمن مابين عامي 2007 و2010 كانت المحافظة التي يعول عليها الكثير في مواجهة القضايا الكبرى في البلاد تُقلب النظر حائرة في كل اتجاه .. وكانت المشاريع الطافية على السطح ثلاثة .. التوريث لدى النظام .. الحوثيون في صعدة.. الحراك السلمي في الجنوب.. لكن المشاريع الثلاثة بدت من نظر تعز المحافظة الاعلى كثافة سكانية والاكثر نشاطا سياسيا مشاريع صغيرة..ماجعل هذه المحافظة تكتفي بتنظيم فعاليات تنوعت بين مناصرة الحق في التعبير وادانة عنف السلطة وحملات المداهمة والاعتقال غير المبررة آنذاك فيما ظل هاجس البحث عن اسلوب يمكن اليمنيين من تحقيق تغيير جذري يضمن تحقيق الحلم المؤجل من نصف قرن والمتمثل في قيام الدولة المدنية الديمقراطية كان مايزال ناشطا في اذهان الكثيرين رغم ما كان يواجه به اصحاب هذا المشروع من قمع وتنكيل واخفاء قسري في كل محطة .. على مدى عقود طويلة ظلت البيئة الصخرية وقلة الموارد والكثافة السكانية وبكور الالتحاق بالتعليم والنشوء المبكر للمشارب السياسية والفكرية تتبادل الادوار في التواطؤ بهذا الشكل او ذاك مع مركزية الحكم لافراغ المدينة من كفاءاتها الفاعلة.. التي توزعت بين هجرتين داخلية وخارجية وأخرى توارت بين اعتقال واغتيال ..مايجعل المشاريع الصغيرة الطافية على السطح حتى نهاية العام الفين وعشرة اقل اغراء بالنسبة لمحافظة يتوزع ابناؤها عبر جهات البلد والعالم.. في الرابع عشر من يناير 2011 أسقط الشعب التونسي نظام بن علي على وقع كلمات اربع ..«الشعب يريد اسقاط النظام». كانت تلك الجملة رباعية الكلمات بمثابة شيفرة تفعيل معادلة جديدة في مواجهة هيلمان القوة التي دأبت الانظمة البوليسية القمعية على تنميتها مسافة عقود ثقيلة على حساب حرية المواطن ورغيف عيشه. وكان من شأن هذه المعادلة الجديدة اسقاط قانون النشأة لتلك الانظمة التي استبدت شعوبها على مدى عقود من الزمن.. في الخامس والعشرين من يناير 2011 انطلقت الثورة الشبابية الشعبية في مصر و في مساء الحادي عشر من فبراير 2011نجحت ذات الشيفرة ايضا في تفكيك معادلة التأبيد والتوريث لنظام مبارك بعد 30سنة من الاستبداد. في الثالث من فبراير 2011 شهدت العاصمة صنعاء اعتصاماً جماهيرياً غير مسبوق تتويجا للهبة الشعبية التي دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك بغرض ثني حزب المؤتمر الحاكم عن استخدام اغلبيته البرلمانية في تعديل الدستور والسير المنفرد نحو انتخابات نيابية فيما لم يكن موضوع الثورة ضمن اجندة فعاليات الهبة الشعبية.. مساء الحادي عشر من فبراير 2011 ..ما أن اكمل عمر سليمان اعلان تنحي مبارك عن عرش مصر حتى انطلقت الزغاريد والهتافات والالعاب النارية في كل من ميدان التحرير في قاهرة المعز وشارع التحرير غير البعيد عن قلعة القاهرة في المدينة الحالمة تعز التي كانت تداعت بشكل عفوي وخرجت عن بكرة ابيها الى الشوارع ترافقا مع وصول الثوار المصريين الى محيط القصر الرئاسي. في ذات الليلة وعلى وقع احتفالات ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة بخلع مبارك كانت الهتافات تهز جنبات معظم المدن اليمنية احتفاء بنجاح الثورة المصرية ومطالبة بالحرية واسقاط النظام في اليمن وكان الامر ذاته يحدث في العاصمة صنعاء التي شهدت تظاهرة حاشدة اتجهت صوب ميدان التحرير لكنها لم تتمكن من دخوله بسبب استباق مليشيات النظام في التخييم هناك فقفلت المسيرة عائدة وانتهت بعودة الناس الى منازلهم وهو ذات الامر الذي انتهت به التظاهرات التي خرجت في عدد من المحافظات محتفية بنجاح الثورة المصرية لكن الامر كان مختلفا في تعز التي كانت حينها التقطت شيفرة التغيير واعية اثرها وكيفية التعامل معها كما بينت المحطات التالية.. في الاثناء كانت المدينة الحالمة وهو الاسم الذي تعرف به مدينة تعز تهتز على وقع هتافات مئات الالاف من الشباب الذين خرجوا الى الشوارع في مشهد اشبه بالأمواج البشرية المتدفقة وكانت كاميرات الفضائيات تنقل مشاهد يظهر فيها جموع من الشباب يحملون بطانياتهم ويرفعونها عاليا ايذانا ببدء استمرار البقاء في الشوارع حتى اسقاط النظام.. لم يكن هؤلاء الشباب يدركون حقيقة تداعيات مايقومون به او ردة فعل الشارع اليمني والقوى السياسية حين قرروا بشكل عفوي منفرد افتراش الاسفلت والتحاف السماء تحت شعار الشعب يريد اسقاط النظام ..كما لم تثنهم حملات المداهمة والاعتقال والضرب المبرح الذي تعرضوا له من قبل سلطات الامن حينها عن ضرب اوتاد خيامهم .. مؤسسين أول ساحة للحرية.. ومعلنين باسم الشعب المطالب بالحرية بدء الثورة الشبابية السلمية في اليمن.. لكنهم مضوا فيما عزموا القيام به في معزل عن أي شيئ عدا الطقوم العسكرية والرصاص الرسمي.. وفي الخامس عشر من فبراير كانت ساحة الحرية في تعز واقعا يصعب اقتلاعه من خارطة الربيع العربي. على مدى محطات كثيرة في تاريخ اليمن المعاصر يصعب عليك تذكر عمل نضالي في عدن لا تظهر امتداداته في تعز والعكس ..وهو ما تجلى بوضوح عصر الاربعاء ال16 من فبراير 2011 حين تجلت اول استجابة لشعارات الثورة الشبابية السلمية في تعز وانطلقت من مدينة المنصورة محافظة عدن اول مسيرة ثورية تحت شعار الشعب يريد اسقاط النظام والهتاف الذي تمثل في عبارة «لا انفصال لا فساد نشتي دولة اقتصاد» فقوبلت المسيرة بقدر كبير من العنف من قبل قوات امن وحرس النظام ما ادى الى استشهاد محمد العلواني الذي ارتقى مرتبة اول شهيد تحت شعار الثورة السلمية..فيما اصيب الى جواره شابان اخران بجروح طفيفة كما يبدو. في ال18عشر من فبراير 2011 كان نحو نصف مليون ثائر وثائرة تدفقوا الى ساحة الحرية في تعز استعدادا لأداء جمعة البداية . وبعد نصف ساعة من اداء الصلاة تمر سيارة مسرعة تابعة لأحد النافذين الموالين لنظام العائلة ..تخترق الساحة وتلقي قنبلة وسط الحشود يلتقطها الثائر الشاب مازن البذيجي ويضعها تحت جسده مفتديا زملائه في الثورة ليرتقي كاول شهيد في محافظة تعز وثاني شهيد في الثورة فيما اصيب قرابة اربعين بجروح متفاوتة بينهم ثلاثة اصاباتهم خطيرة.. التاسع عشر من فبراير 2011 يخرج شباب في العاصمة صنعاء في تظاهرة عفوية تندد بالاعتداءات التي نفذتها قوات النظام ضد مسيرة عدن وساحة الحرية في تعز وتدعو للحرية واسقاط النظام فتواجه بالقمع من قبل مليشيا النظام ويتعرض الثائر الشاب بسام الاكحلي لا صابة بالغة في عموده الفقري لينقل الى المستشفى كأول جريح تحت شعار الثورة في العاصمة صنعاء وينال لقب عميد جرحى الثورة السلمية . وفي ال21 من ذات الشهر يكتسب الشباب ساحة في العاصمة صنعاء يطلقون عليها ساحة التغيير وتنصب اول خيمة للثورة امام بوابة جامعة صنعاء لتتوالى ساحات الثورة بعد ذلك في عموم محافظات الوطن وفي ال22 من فبراير 2011 يرتقي الثائر الشاب عوض السريحي اول شهيد في ساحة التغيير بصنعاء وثالث شهيد في الثورة الشبابية السلمية في اليمن.. في الاثناء كانت ثمة مراجعة سريعة تجري داخل قيادة المشترك اثمرت قيام المعارضة بخطوة متقدمة يوم الخامس والعشرين من فبراير حين منحت الضوء الاخضر لأعضائها بالمشاركة في الحشد الثوري يوم جمعة الغضب.. يتبع رابط المقال على الفيس وبوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=461130690592678&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater