بالرغم من تحديد يوم ال18 من مارس موعداً لتدشين مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. إلاّ أن الساحة اليمنية لاتزال أجواؤها مُلبدة بغيوم التباينات والخلافات، وهناك وجوه متعددة للأزمة، وممارسات متصلبة تحاول إفشال التسوية السياسية التي توافقت عليها كل أطراف العملية السياسية، بوضع شروط تعجيزية لم تتضمنها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمَّنَة، والتي من شأنها أن تشكل عقبة كأداء أمام نجاح الحوار الذي تُعلق عليه الآمال في الخروج باليمن إلى بر الأمان. إن وضع شروط تعقيدية والعودة إلى مرحلة الشد والجذب وتعطيل تفاعل الوفاق والشراكة التي تقتضي الحرص على تقديم مختلف الأطراف للتنازلات بنوايا صادقة للخروج من الأزمة، تؤكد رغبة البعض في إفشال التسوية السياسية، ومحاولة افتعال أزمة جديدة وتأجيج الفتن وإشعال الحرائق، بهدف توتير الأوضاع وزعزعة أمن الوطن واستقراره وإشعال نار الحروب والاقتتال الداخلي وتدمير ما تبقى من البنى التحتية، بالإضافة إلى نشر الفوضى وتعميم ثقافة العنف والحقد والكراهية، والوصول بالبلاد إلى مرحلة الانهيار الكامل في كل المجالات وبالذات في جانب معيشة الناس وأمنهم واستقرارهم، وتعطيل مسيرة التنمية والبناء. إن الذين يضعون العراقيل أمام جهود إصلاح الأوضاع من خلال الخطاب السياسي الإعلامي المتشنج والمأزوم لبعض الأحزاب والقوى السياسية التي لم تصدق بأنها أصبحت جزءاً من السلطة ومشاركة في الحكم بموجب التسوية السياسية للأزمة، فإنما يراهنون على جواد خاسر، غير مُدركين أن معاناة اليمنيين التي تجرعوها أثناء الأزمة وما رافقها من ممارسات أقلقت الأمن والاستقرار وأشاعت الخوف في أوساط الناس وزادت الأوضاع سوءاً، شكّلت لديهم قناعة راسخة بأن تلك القوى لا يهمها مصالح المواطنين ولا سلامة وطنهم ووحدته وأمنه واستقراره، بقدر ما يهمها مصالحها الحزبية والذاتية، وهذا ما أكدته أحداث الماضي وتؤكده وقائع الحاضر، ولهذا فخطابهم السياسي اليوم مُثقل بتراكمات من الأخطار والخطايا والسوداوية والضغينة جعلته خطاباً متشنجاً ومأزوماً لا يورث إلاّ المزيد من التعقيدات والانسداد؛ لأنه مبني على الإستفزازات وخلق التوترات والكراهية في سعي غير مستوعب للدروس التي خلقتها الأزمة والتي يجب أن يستفيد منها الجميع، وعلى وجه الخصوص تلك الأطراف السياسية التي لم تستفد من تجاربها البائسة في مراحل سابقة، وحقيقة رؤية الناس لها نتيجة المعارك التي خاضتها ضد الشعب والوطن سواء بإشعال الفتنة التي صاحبت الأزمة السياسية.. أو بالتعنت في مواقفها الأخيرة ووضع شروط جديدة تتنافى مع روح المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمَّنَة. إن الخطاب الموتور والمستفز الذي يظن البعض أنه يستطيع من خلاله الإبتزاز والاستحواذ على كل الغنيمة وتحقيق المزيد من المكاسب الذاتية- قفزاً على كل الاتفاقات وبنود التسوية السياسية- لا يمكن أن يؤدي إلاّ إلى نتائج عكسية على أصحاب ذلك الخطاب بما يولده من شعور بالخوف وعدم الثقة والاطمئنان وزرع اليأس في النفوس، وستكون المحصلة انصراف الناس عن أصحاب هذا الخطاب المترع بالغرور وادعاء امتلاك كل الحقيقة إلى حيث يجدون التفاؤل والأمل والأمن والأمان على حاضرهم وعلى حياتهم وأعراضهم وممتلكاتهم والمستقبل الأفضل لأبنائهم وأحفادهم، فالخطاب المأزوم المصحوب باللغة الانفعالية المتشنجة ونزعات التهييج الذي لا يراعي مصلحة عامة أو خاصة للوطن والمواطنين حتماً مآله الفشل الذريع والسقوط المريع ،كونه يفتقر إلى المصداقية والفهم الصحيح للواقع والوعي بالمتطلبات الحقيقية للوطن والشعب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن المُعاصر، لأنه خطاب لا يمكن أن يقتنع به أي شخص عاقل يشعر بالمسئولية إزاء نفسه ومجتمعه ووطنه؛ لأن مثل هذه الأفعال ليس لها من هدف سوى الإضرار بالوطن وأمنه واستقراره ووحدته وتنميته وسمعته، ولن تحقق لأصحابها سوى الوهم والسراب؛ لأن اليمنيين سبق أن جربوهم واختبروا نواياهم، ولا يمكن أن يطمئنوا إلى أعمالهم وتوجهاتهم التي أثبتت فشلها الذريع في تقديم أنفسهم كمصلحين وأصحاب مشروع حداثي ودولة مدنية تقوم على أساس الحكم الرشيد لا على أساس المصالح الحزبية والذاتية، وفي حالة كهذه فليس بمستغرب إصرار تلك القوى على الوصول بالأمور إلى المجهول، بالاستمرار في تأزيم الأوضاع وذلك في ظل شعور تلك القوى باليأس والإحباط من انفضاض الناس من حولها وعدم الثقة بهم، ولهذا فإن منطقها هو منطق “شمشون” (عليّ وعلى أعدائي) وهدفها هدم المعبد على رؤوس الجميع خاصة وان الإستحقاق الوطني المتمثل في انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل يقترب بعد تحديد موعد تدشينه، وهم يدركون أن نتائجه ستكون كارثية بالنسبة لهم، لأنهم لا يريدون ان يصل اليمنيون بكل مكوناتهم السياسية والإجتماعية عبر الحوار الجاد والمسئول إلى صيغة مثلى لنظام الحكم وللنظام الانتخابي المنشود المجسد لحقيقة وقيم الديمقراطية، وإلى بناء دولة مدنية حديثة تعتمد على مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة، يحكمها الدستور والقانون، لا مجال فيها للفوضى والعنتريات والتدخلات وإعاقة تطبيق القوانين وتعطيل وظائف الدولة، وسطوة وجبروت المتنفذين والفاسدين والمفسدين، وهذا يتناقض مع ما يخططون له، وبالتالي فإنهم لا يدّخرون جهداً.. ولا يتركون أي فرصة سانحة لوضع العراقيل أمام استكمال التسوية السياسية، ونجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بعيداً عن الفوضى وزعزعة السكينة العامة والإخلال بأمن الوطن والمواطنين، كما أن فشلهم المتكرر ورهاناتهم الخاسرة تصبح بالنسبة لهم كوابيس تؤرقهم وتضاعف حالة اليأس والقنوط والإحباط في نفوسهم، أما الوطن فإنه سيكون بألف خير إن شاء الله. رابط المقال على الفيس بوك