تعز.. بماذا أوشوشها وقد أنكرتني، وأنكرت ذاتها، فكأن في آذانها وقراً، إذ لم تعد ترهف سمعها لمناجاة العشق وهسيس المواجيد الخجولة المتماوجة لظىً في حنايا صبية وصبايا يقتسمون رغيف المحبة على مائدة الحلم بغد ألذ وأشهى..! لم تعد تكترث لهمهمات الشعراء حينما تجتاحهم نشوة الولوج إلى عالم لا يُرى؛ ليستولدوا من رحم خيالاتهم أغنيةً تستحث خطى قادم جديد يرسمونه على واجهة الوقت ضحكةً ومطراً ومواسم حصاد..! لم يعد يستلفتها أنينهم حينما تعتريهم عذابات الطلْق..طلق ولادة قصيدة مقفاة بابتهالاتهم المموسقة بإيقاع اسمها السحري المقترن دائماً بالسلام ومعنى الأخوة..! لست أدري لمن أنذرت صومها عن ارتشاف رذاذ نبيذ المحبة المتطايرة من مواويل «أيوب طارش» حينما يشق وحشة السكون بصوته المتدفق شلالات نغم مصفىً، ويفرش شجوه العبقري بساطاً لعاشقة ضربت لها الأقدار موعداً للقاء عاشقها.. فأرخت جدائلها الداجيات لنسيمات الانتظار العابقة بأريج الشوق تسرحها احتفاءً بدنو مقدم الحبيب..! لم تعد تقتفي أثر الحلم في طرقات الشمس، في رحلة كفاحها السرمدي لاجتياز تخوم الدجى والمحال؛ لتبلغ بأبنائها فضاءات المساواة والمعرفة والعدل..!! نست أو تناست كيف كانت تنهض باكراً.. تعد لضيوفها فنجان القهوة الفواحة بنكهة بن وادي بني حماد، ونعناع وادي الضباب، مرتديةً ذلك الثوب الصبري المزخرف بثلاث خطوط مضفورة باحتراف، تتدلى من جيدها كسبحات غيم تدلت من عنق السماء، تمتد وتلتف على صدرها مثل أسيجة تحرس القلب من سهام النكوص عن الحب، وتعصمه من السقوط في مهاوي التخلفِ..! لم تعد مثل ذي قبل.. حين كانت، وقبيل أن يرسل الصبح ضحكته في المدى، تعتلى شرفة قلعة القاهرة باغتباط وزهو.. ترقب التلامذة الصغار يخرجون من منازلهم، يختزلون المستقبل المرتجى في حقائبهم المدرسية المتكئة على كواهلهم الطرية الغضة، ينتظمون في ساح المدارس كأسراب النوارس.. يصدحون بنشيد الصباح المدرسي, تتصاعد أصواتهم في الفضاء محاريث حلم تشق تراب شعاب الدهر، وتبذر فيها نواة غد رغيد سيأتي بكفاحهم وإصرارهم على مجيئه.. ال«تعز» هذه.. ليست تعز التي «كانت».. لقد نست أو خلعت ذاتها، ورمتها هناك عند فاصل زمني سبعيني، وانحنت حتى لامست حضيض الهوان.. ومثل كائن معاق راحت تحبو على أربع باتجاه وديان ليل التخلف.. !. حطمت كل أقلامها، وراحت تتسوق في «جحانة وسوق الطلح والملح»، تقتني البنادق والقنابل والرصاص والجنابي..! وعادت إلى هذه الرقعة من الأرض مسخاً يداري تشوهاته خلف سيل من ثرثرات كلام يمجد سقوط حاضر بسمو ماض كان..! ظنت أنها حين تغالي بارتداء العسيب المطوق بأحزمة مكتظة بالرصاص ستقهر قاهريها؛ فكان لها أن تكون نصالاً وبنادق ورصاصاً.. ولكن بيد قاتليها..!! انظروا كيف هي الآن تسبح في جحيم الفوضى.. وتغتسل بقيح الحروب النتن.!! انظروا كيف هي الآن تحتز أثداءها.. وتطبخهم على نار احتراق أبنائها، وتقدمهم وجبة شهية لمغتصبيها..! هل للمرارة من منتهى؟!. هل تستطيع هذه الصبية الحيزيون (تعز).. أن تستعيد ذاتها وتصهر ما اقتنته من بنادق ورصاص.. وتعيد تدويرها في مصانع الأقلام والمساطر والكراريس..؟! إن البقاء في التخلف والسير في متاهاته لا يتطلب جهداً.. فيما مواكبة التقدم وامتلاك أسبابه يتطلب كفاحاً شاقاً..! متى ستوقن هذه ال«تعز» بأنها لن تقهر قاهريها إلا إذا خاطت من شغاف السلام، وعهن المحبة زياً مدرسياً لنوارسها الصغار..!! وقدت من جرحها أزاميل ومناجل ومطارق بناء وحصاد..!. أما زال بإمكانها أن تتوضأ بحمم النار وضوء الشمس؛ لتنفي عن ذاتها خبث الجهل العالق في طوايا حاضرها.. ثم تؤدي في جامع المظفر صلوات الحلم الواعد، وابتهالات المستقبل الجنين..!؟ هل ستثوب إلى رشدها.. وتعود إلى ذاتها؟!. نعم ولكن.. كيف..!؟ وبماذا..؟! ومن..؟! رابط المقال على الفيس بوك