“حساسية النخب .. أنهكت الجنوب في الفترة الماضية وحتى اليوم وظلت مدعاة لتناقضات وصراعات نخبوية لم يكن الشعب طرفاً فيها” ياسين سعيد نعمان هناك من يعتقد أن الجنوب كجغرافيا يدعم فكرة واحدة للحل وهي الانفصال, وهذا الاعتقاد يتنافى مع الواقع الجنوبي الحالي خصوصاً بعد قيام الثورة الشبابية, فلا يوجد اجماع جنوبي على حل معين لقضيتهم, هناك آراء متعددة لكيفية الحل, حيث يوجد من يؤيد حل الانفصال وهناك من يطرح حل الفيدرالية وهناك من مازال مع اعطاء فرصة أخرى لخيار الوحدة, الوحدة بالمعنى الثوري التي تعني قيام دولة على مرجعية المواطنة المتساوية ،وبالتالي ضمان إعادة الحقوق لأصحابها, وكانت الجماهير التي احتشدت يوم الخميس الماضي تؤكد على شعبية خيار الوحدة. دعونا نتفق على أن المرحلة الانتقالية التوافقية تضمن حرية التعبير لكل الآراء المتصلة بالقضية الجنوبية ولكن في سياق التعبير السلمي البعيد عن العنف, علينا أن نتعامل مع القضية الجنوبية بحس وطني عالي المسؤولية, ليعبر كل من الانفصالي والفيدرالي عن رأيه ،ولكن لا تقل لي أن من حق الانفصالي أن يفرض رأيه بالسلاح ويمنع بالعنف من يريد خيار الوحدة الذي هو خيار الدولة أصلاً, أدرك أن هناك من يلجأ للعنف من الحراك المسلح المؤيد للانفصال بدعم من البيض, والأغرب أن هناك مثقفين شماليين يمتلكون روحاً انفصالية أكثر من انفصالي الجنوب, وفي المقابل هناك للأسف من يسوق للوحدة بعيداً عن روح المرحلة الانتقالية وضمير الحوار الوطني القادم, والذي فيه ستطرح كل الحلول بدون شروط لحل القضية الجنوبية. في اعتقادي أن عقلاء الجنوب (وهم خليط من اشتراكيين وحراك وجنوبيين كثر غير منتمين لأي من أطراف الصراع) يدركون أن فكرة الانفصال عبثية - على الأقل في الوقت الحالي وحتى المستقبل القريب - ليس فقط لكون الانفصال غير مرحب به دولياً ولا لأن المبادرة الخليجية وآليتها الأممية وقرار مجلس الأمن الأخير مع سيادة اليمن بشطريه, بل لأنهم يؤمنون أن خيار انفصال الجنوب لا يعني وحدة الجنوب كدولة بل تشظي الجنوب الى دويلات, فالمتخصصون بتاريخ البلدان يعلمون أن لكل بلد تاريخه الخاص, والتاريخ الخاص لليمن الجنوبي ولد في 14 اكتوبر وما قبله كان دويلات السلطنات والمشيخات, بينما تاريخ الشمال الخاص ولد في 26 سبتمبر وما قبله كان تاريخ الصراع الإمامي, والدعوة الى الانفصال هي دعوة الى ما قبل 14 اكتوبر, وبسبب أن النظام العائلي السابق- الذي ظلم الشمال والجنوب - لم يستطع أن يلبي طموحات اليمنيين في تدعيم الوحدة الوطنية التي ولدت في 1990م, أتت الثورة الشبابية الشعبية (2011م) لتفتح آفاقاً لإعادة الاعتبار لمعنى دولة الوحدة القائم على المدنية والديمقراطية. وإذا كانت ثورة ال11 من فبراير (2011م) فتحت آفاقاً شعبية وسياسية لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية, فإن 21 فبراير (2012م) المنبثق منها, أكد رغبة اليمنيين في الشمال والجنوب بالتوحد المدني وليس القهري, فقد ذهب الشماليون – كما الجنوبيين- بقناعة تامة لانتخاب رئيس جنوبي لأجل اليمن الموحد, ورغبة في تجاوز الماضي المليء بالصراع والدم, أملاً بمستقبل آمن يسير نحو التقدم والتحضر, ولم يعد الاحتفال بيوم 21 فبراير مرتبطاً بشخص الرئيس كما كان في عهد صالح, بل بدعم فكرة التغيير ذاتها التي مازالت اليمن تناضل لأجلها. ولقد سعدت وأنا أسمع رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي , وهو يؤكد على خطورة تقديس الأشخاص, ويرفض أن يكون يوم صعوده للسلطة عيداً وطنياً, وفرحت أيضاً بتوجيهه بإزالة إضاءة صحيفة الثورة التي كانت ممهورة بصورته ومعمدة بأقواله, وسيذكر التاريخ للرئيس هادي أنه وضع رسمياً ثقافة للتفريق بين (احترام الرئيس) ضمن هيبة الدولة وبين (تقديس الرئيس) ضمن سلوك عربي نفعي انتهى زمنه, منتصراً لثقافة هيبة الدولة واحترام رموزها. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك