الإرث العربي لا زال يتبنى الفكر الانفعالي الشديد الجاهز, الذي يستطيع الجموح في أي لحظة دون أي معرفة مسبقة بصعوبة الطريق، أو الخوف من التعثر. فمن السهولة الشديدة أن يستطيع أحدهم تجييش أعداد هائلة من الجماعات , وليس الأفراد لتبني فكر معين، أو منهج معين في سن معينة, ولا يعني ذلك أن هذا الشخص المجيش خارق للعادة ,أو لديه قدرات غير عادية يتمكن من خلالها السيطرة على هؤلاء الأفراد، كل ما في الأمر أن هذه الجماعات التي تخضع لظروف معينة، وتشكيل خاص من السهل السيطرة عليها وإقناعها بهذا الفكر، الذي تنفذه مستقبلاً على أرض الواقع دون سؤال، أو نقاش، أو تفكير فيما وراء هذا التنفيذ. الفكر الانفعالي الشديد يبدو واضحاً عندما تتحاور مع بعض الأشخاص في قضية ما تحتمل الاختلاف, فتجده يسد كل الأبواب والمنافذ أمام رأيك أو ما ستقوله... بديكتاتورية مفرطة، وانفعال يخرج الحوار من دائرة التحضر واحترام الآخر,هذا الانفعال ليس له ما يبرره سوى رفض الرأي الآخر، وعدم إعطائه المساحة الكافية ليُطرح, مع العلم أن هذا الشخص قد يكون من حملة راية الحوار مع الآخرين ، وأن حال الأمة لا ينصلح إلا بالحوار والتعاطي معه. الفكر الانفعالي نلمسه عندما تطرح قضية في برنامج ما على الهواء, قابلة للحوار مع الآخر, وطرح عدة آراء من الممكن أن نتفق عليها، أو نختلف، لكن في النهاية لابد أن يستمع ويُشاهد لحوار حضاري يحتمل صوت الآخر ولا يقفل عليه. ففي البرامج الحوارية ينبغي أن يكون الكلام حُراً، والمتحدث أو المتصل حُراً، والضيف أيضاً حراً، هذه الحرية المشتركة لابد أن يستوعبها كل طرف قبل الحديث أو الاتصال, بعيداً عن تحويل ساحة الحوار إلى دائرة مغلقة لا تحدها الحرية من أي جهة, ويغلب عليها التعصب، والسلوك العاطفي تجاه القضية دون فهم لتفاصيلها , ويصبح الحوار معلقاً دون طروحات حقيقية يتنصل أصحابها من انتماءاتهم أو مصالحهم الشخصية، أو حساباتهم المستقبلية، لأن قضية حرية الحوار أصبحت هي المشكلة. فالانفعال الذي يصاحب من يحاور يشكل كارثة حقيقية في الثقافة العربية , ولا نلمسها في الثقافة الغربية، فأنت تلاحظ أحياناً متحدثاً غربياً أو متصلاً يجيب بهدوء وعدم انفعال مهما كانت مرارة الأسئلة، ومهما كانت قدرة المحاور كبيرة في سحب المتحدث إلى ساحته, وبالذات العربي. فالمتصل يأخذ من القضية أطرافها, ويتصل منفعلاً متوتراً، متعصباً شاتماً, وقد يلحقه آخر وآخر في مزاد للشتيمة والسباب للدول والأشخاص والقضايا والمتحاورين ، ويغادر الجميع بعد أن كالوا لبعضهم من التفاصيل الحقيقية والكاذبة، والمحصلة موجة من الانفعالات دفع ثمنها من استعد جيداً للاستماع إلى الحوار. الجموح الانفعالي لا يقاس على الاتصال لكن على كثير من تفاصيل الحياة التي تحتاج إلى التعامل معها بهدوء وروية وتحضر. نحتاج إلى هدوء في تقييم الآخر ومعرفته ودراسته, والحكم عليه من خلال ماضيه وحاضره ومستقبله. نحتاج إلى إقامة مجتمع عقلاني لا تحكمه العاطفة من جهة, والديكتاتورية من جهة أخرى, الانفعال من جهة, والتعصب من الجهة المتبقية، مركزه الحد الوسط , وملامحه التطور والتغير واحترام الآخر, القريب والبعيد، يسعى إلى تحطيم نرجسية وأنانية من يكرسون الخلل المجتمعي بين الناس، ويسعون إلى تجزئة الأشياء بمقاييس بدائية تدفعنا إلى الخلف عشرات السنين. رابط المقال على الفيس بوك