المسافة بين الدولة الغائبة والدولة المخطوفة كالمسافة بين الفشل ومشروع الفشل. الصفة الأُولى تنطبق في أُفق ما على دولة ما قبل الانتفاضة الشعبية اليمنية، والثانية تنطبق على دولة التوافق لما بعد الانتفاضة. وفي كلتا الحالتين نحن أمام استحقاق باهظ عنوانه الأساسي استعادة الدولة بوصفها الضامن لسير المجتمع بطريقة طبيعية، وهو أمر نفتقده في الحالة الماثلة. لكن اختطاف الدولة من قبل القائمين في اللا دولة لن يوقف عقارب الساعة في الزمنين السياسي والمجتمعي اليمني، لأن الزمان قرين المُتغير الدائم، والمكان رهن هذا التحول، ولهذا السبب ليس الدهر بمفهومه الفلسفي التاريخي سوى التعبير الأكثر واقعية عن مُتغيري الزمان والمكان، وبهذا المعنى ستشهد الساحة اليمنية المزيد والمزيد من التحولات المقرونة بمخاضات لا مفر منها. يثبت التاريخ المعروف أن تطور المجتمعات البشرية يتم بصورة حلزونية، فيبدو المجتمع وكأنه يعيد إنتاج نفسه، لكنه في الحقيقة يُلغي القديم ليفسح باباً للجديد. هذا ما ذهب إليه كبار علماء التاريخ من أمثال: ابن خلدون الذي قرن أعمار الدول بالتحولات الجبرية، وكارل ماركس الذي رأى في التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية التاريخية مساراً جبرياً للتحولات في المجتمعات البشرية، وإلى ذلك ذهب آخرون كثيرون. الناظرون لأمر التاريخ عبر عدسات إبصاراتهم المحدودة يتوهمون قدرتهم في السيطرة على الزمان وتحولاته، وعلى المكان واستحقاقاته.. وهم فيما يستوهمون ذلك يصبحون كذلك الذي يحاول إيقاف إعصار عاتٍ، أو منع مدٍ شاهقٍ لبحرٍ متدفقْ، ذلك أنهم لا يدركون أن الحقيقة أبعد عن ذلك بكثير، فالتحول جبر لا مفر منه، والانتقال سياق موضوعي عام لا يمكن إيقافه، والتاريخ يمضي مُترعاً بالدهاء والمكر الذي يتجاوز منطق المقيمين في مرابع مألوفاتهم الحياتية. في حالتنا الراهنة المقرونة بدولة غائبة، وأُخرى مخطوفة، سيقدم التاريخ جوابه الناجز باتجاه دولة جديدة مغايرة، وهذا ما سنراه قريباً، وقريباً جداً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك