نتموضع الآن أمام الاستحقاق الأكبر للتسوية التوافقية الناجمة عن المبادرة الخليجية متمثلاً في الحوار الوطني ، كما نسعد بذات الاحتضان الإقليمي والدولي الحميم، مما لم يتوفر لغيرنا من عرب المتاهات لأسباب ميتافيزيقية لا أدرك كنهها واعترف بأنها في الحالة اليمنية جاءت عطفاً على خليط من الصدف والضرورات والانطباعات والحسابات التي حدت بإقليم الجوار العربي ودول العالم قاطبة للاتفاق على التسوية اليمنية وفق نموذجها المسطور في المبادرة الخليجية . لكنني أعتقد جازماً أن موقف الأخيار من فرقاء الساحة اليمنية مثّل العامل الحاسم في معادلة التوافق الحميد، ورغماً عن أمراء الحرب المدججين بالمال والسلاح. ذلك مدعاة لامتلاك ذات الإرادة خلال فترة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي يشارك فيه مئات المختارين من قبل أحزابهم وبقية مكونات المجتمع المدني . أمام الحوار جدول أعمال صعب ، وماراثون حواري عقلي أصعب ، وبالمقابل لن تخلو جلسات الحوار الماراثونية من العلماء والمتعلمين والجهلة ، ما يذكرني بقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين قال : الناس إما عالم أو متعلم ، أو همج رعاع أتباع كل ناعق . ولعمري أن مقولة الإمام علي مازالت صالحة لكل زمان ومكان ، ومازالت تواريخ الانعطافات الحادة في المجتمعات البشرية تنذر بأوخم العواقب ، ذلك أن الرائين لمجتمع ناهض متوازن يعانون الأمرين من العاميين النباشين الشتامين ، ممن لا يدرون أنهم يناجزون الحياة بطاقة شيطانية تجعلهم أكثرالبشر قدرة على تحويل التبر إلى تراب ، والحق إلى باطل . مصفوفة المواضيع التي ستناقش في الحوار الوطني واسعة ومتشعبة، لكنها في محصلتها تصب في مجرى تأكيد التغيير ، وعلى قاعدة استنهاض الأسباب القانونية والإجرائية للانتقال إلى دولة جديدة تحقق نظاماً اتحادياً فدرالياً تنتظم فيه أقاليم اليمن الجغرافية والإقتصادية والتاريخية ، ويسمح بتسريع التنمية الأفقية على قاعدة التخلي الحر عن مركزية النظام السابق الذي كان السبب فيما آلت إليه الأمور. الدولة الجديدة ستعتمد المواطنة المتساوية حقاً وواجباً وفرصاً ومصالح، بوصف المواطنة القانونية معيار الهوية ، وشوكة الميزان الضابطة للعوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، وبما يحقق المشاركة الناجزة في العمل العام ، وبما يجعل الذمة المالية والإدارية والتنموية صفة تشارك لا يتميز بها وزير أو خفير . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك