الأسبوع الماضي، وضع تقرير دولي متخصص اليمن في صدارة دول العالم، التي يحظى فيها الزوار الأجانب، بحفاوة وترحاب المواطنين المحليين.. جاءت هذه الجزئية ضمن مجموعة مؤشرات، ترصد مستوى ومقومات التنافس في مجال السفر والسياحة، في 140 بلداً حول العالم، ضمن تقرير سنوي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي.. عدا مستوى ترحاب اليمنيين بزوارهم الأجانب، وهو مؤشر مستحدث يعكس انفتاح البلدان والمجتمعات على السياحة والسياح الأجانب، وحلّت فيه البلاد في المرتبة 18 على مستوى الدول التي شملها التقرير، فقد جاءت المؤشرات الأخرى الخاصة بالبنى التحتية، والحالة الامنية، والتنمية البشرية، والخدمات، في ذيل القائمة العالمية.. وبالنسبة لبلد لا تحضر أخبارها في بعض بلدان العالم إلا مقترنة بحوادث اختطاف الأجانب، زائرين أو مقيمين، أو تحذيرات حكوماتها من السفر إليها، خشية تعرضهم للاختطاف، أو تبعاً للهواجس الأمنية، وفي ظل عجزٍ حكومي عن إقناع الدول المنخرطة في مجموعة أصدقائها، بإلغاء التحذيرات من السفر إليها، فإن التقرير وفر على الحكومة اليمنية جهداً جباراً ومكلفاً، ينبغي استثماره، وترويجه والبناء عليه، لإزالة كثير من الهواجس المتعلقة بزيارة الأجانب إلى البلاد. تقدم اليمن في مؤشر حفاوة وترحاب مواطنيها بزوارها، رغم حوادث الاختطاف المتكررة والتي قد ترقى لمستوى الظاهرة، يبعث برسالة من جهة محايدة وموثوقة - وليست مدافعة عن سمعتها ومصالحها كالحكومة- مفادها أن تلك الأفعال دخيلة وشاذة على تقاليد المجتمع الودود تجاه زواره.. بمعنى أن الاختطاف ليس أكثر من وسيلة همجية متخلفة، لتسوية نزاعات قد تكون الحكومة المركزية، طرفاً مباشراً أو غير مباشر فيها، تبعاً لغيابها الدائم والمعيب، أو الحصول على امتيازات أو خدمات، أو للفت الانتباه لقضايا ونزاعات بعينها.. كما أن تلك الحوادث لم تفض إلى نهايات مأساوية للمختطفين.. على العكس تماماً، إذ يحظى المختَطَفون، بقدر كبير من الحفاوة وكرم الضيافة لدى خاطفيهم، رغم كونها حفاوة رافقت وسيلة منبوذة، لا يتعدى ضررها –غالباً- أكثر من التعدي على حقوقهم، وحجز حرياتهم.. وتبعاً لذلك فالاختطاف ليس هدفاً وغاية بحد ذاته.. على أن ذلك لا يعني إغفال انحراف أهداف وغايات الاختطاف مؤخراً، في ظل مراهنة الدولة على نجاح الوساطات، وتسويق الوعود، وعدم إحراجها بتعرض المختطفين للأذى، واستمراء غياب هيبتها، وذلك ما جرّأ بعض العصابات المنتظمة والمرتزقة، بالانحراف بمغزى الاختطاف - المنبوذ بأي حال من الأحوال- إلى مستوى الاستغلال، والحصول على فدىً مالية، ما يفاقم خطر الظاهرة وتبعاتها، وهذا ما لم يتم التعامل معه بجدية ومسؤولية حتى اللحظة.. كان حرياً بالحكومة، وخصوصاً وزاراتها المعنية، كالخارجية، والسياحة، والثقافة، والإعلام، وسفاراتها في الخارج، وغيرها من هيئات ومؤسسات الدولة، أن تتلقف تلك الشهادة الدولية المحايدة والموثوقة، إلى حد كبير، وتتبنى حملات ترويج مكثفة، لتغيير الصورة النمطية السائدة عن المجتمع اليمني، باعتباره مجتمعاً قبلياً متخلفاً محل توجس الأجانب، لكنها على ما يبدو منتشية بانحراف الاهتمام المحلي والدولي نحو مؤتمر الحوار، لتتخلى عن كثير من مسؤولياتها والتزاماتها تجاه البلد المنكوب، وشعبه مكسور الجناح، وتلك الفرصة لازالت مواتية وقائمة، وبالإمكان إدراك منافعها الثمينة. بطبيعة الحال؛ تلك الشهادة ليست كافية، فودّ اليمنيين وحفاوتهم تجاه الأجانب ليس مغرياً لذاته، للاطمئنان لزيارة البلاد، وجلب السياح إليها، على أهميته كعامل مساعد ومهم.. الدولة معنية بالعمل في مسارات متعددة ومتوازية، أبرزها تعزيز حضور أجهزتها الأمنية في ضبط وحفظ الأمن، وإثبات حضور الدولة بمسؤولية والتزام، والارتقاء بالبنى التحتية، والمنشآت السياحية، وغيرها من المقومات الكفيلة بنقل البلاد إلى مصاف الدول الأكثر استقطاباً للزائرين، بما يوفر لها مصادر دخل متجددة وحيوية ومؤثرة في مسار الاقتصاد الوطني. لكن أن تتقدم اليمن على أمريكا، ومعظم الدول العربية والغربية، ذات المقومات السياحية الكبرى، وبفارق كبير في مستوى ترحاب مواطنيها بضيوفهم، دون أن يحظى هذا المؤشر بحقه اللازم من الاهتمام والاستثمار لدى الجهات الحكومية المعنية والقطاع الخاص، فتلك إحدى علامات إهدار الفرص الثمينة، وغياب المسؤولية الوطنية في هذه البلاد.. رابط المقال على الفيس بوك