تتخذ حوادث خطف الأجانب في اليمن منحى خطيراً، بعد ان حولتها الفدى الطائلة التي تدفع للخاطفين إلى تجارة رابحة ورائجة لدى جهات باتت تشترك بقدرة خارقة على التخفي والتعتيم والخلاص من جرمها بأكبر قدر من الربح، وغياب تام للادانة او حتى الادراج في قائمة الاشتباه. قبل بضعة أيام ظهرت الصحفية الهولندية جوديث سبيخل وزوجها، في مقطع فيديو بعد مضي قرابة شهر على اختطافهما من قبل مجهولين، مستنجدة بسلطات بلادها لتلبية مطالب الخاطفين، قبل ان تكون حياتهما معرضة للخطر في غضون عشرة أيام.
الأغلب أن تلويح الخاطفين بقتل المختطفين، ليس اكثر من محاولة لتسريع تحصيل مبلغ الفدية عبر احراج الحكومة الهولندية، ودوائر الوساطات والسمسرة التي تبذل جهودها في هذا الجانب، غير ان التلويح المتكرر بالقتل يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار، إذ يشي بتحول خطير في منهج عصابات ومرتزقة الاختطاف.
بدأت عصابات الاختطاف تمل سريعاً حرصها الأمني الزائد الذي جعلها تصبر على المواطنة السويسرية التي اختطفت من الحديدة لمدة عام كامل دون تلويح بقتلها، لتبدأ تغيير استراتيجيتها في حالة الزوج الفنلندي ورفيقهم النمساوي الذين اختطفوا من صنعاء نهاية العام الماضي، اذ ظهر الأخير في تسجيل فيديو محذراً من اعدامه، لتنقضي المدة المحددة دون اعدامهم، وهو ما تبين اثر الافراج عنهم بفدى دفعت للخاطفين في كلا الحالتين.
هذا الاستعجال، مقترناً بالتهديد ينبغي ان يكون باعثاً على القلق.. فجماعات مجهولة حتى الآن، تبدو اقرب لكونها عصابات مرتزقة، الراجح (استنتاجاً) أن لا علاقة لها بالقاعدة، وجدوا في هذه المهنة مصدر اثراء مهول.. وهي المهنة المتاحة بسهولة لمن يملك امكانيات وجرأة الاختطاف، بعد تحلله من كل القيم التي لا تجيز فعاً كهذا، ناهيك عن غياب النظام والقانون كوازع ورادع مفترض.
ما يسهل أكثر من مهمة هؤلاء المتحللين من القيم الممتلكين لجرأة ارتكاب الجرم أن كثيراً من الأجانب الأوروبيين تحديداً المقيمين في البلاد، يشعرون بود اليمنيين (وهم أحد اكثر شعوب الارض حفاوة وترحاباً بالأجانب رغم تلك الحالات الإجرامية المنفلتة وفقاً لتقييمات مؤسسة دولية متخصصة)، لدرجة انهم يظنون أنفسهم خارج حسبة الاختطاف.
توالي عملية الاختطاف بهذه الوتيرة، يشير إلى رواج وازدهار هذه الجريمة المنظمة لتصبح مصدراً مدراً للمال للخاطفين (الجدد)، واتخاذ الاختطافات لهذى المنحى الربحي بعيداً عن تجارب الاختطاف القبلية السابقة، يشير إلى احتمال ان تكون هناك جهة او جهات منظمة تديرها، في محاولات لفتح مصادر اثراء وتمويل جديدة عوضاً عن اخرى تم اقفالها (او بعضها) بفعل التغيرات الأخيرة.
نتفهم حرص الدول الغربية على مواطنيها، وسعيها لتحريرهم بكل الوسائل الممكنة، بما فيها تلك المخالفة للقيم السائدة في بلدانهم، ومبررهم في ذلك غياب الدولة وانفلات الجماعات المسلحة والقبلية وعدم قدرة الدولة على ضبط الوضع الأمني، بما يضيف هكذا انجاز لرصيد حكوماتهم.
لكن هل ستكون الفدى المالية نهاية لجرائم اختطاف الرعايا الاجانب المقيمين في البلاد. قطعاً لا؛ بل ستكون مبعثاً لتهافت مزيد من اقطاب الجريمة على مصدر الاثراء غير المشروع هذا، وأكبر اجراء احترازي تقدمه الدول دافعة الفدى لمواطنيها، هو تحذيرهم من السفر، وهو التحذير الذي يتجاوزه بعضهم، لتبقى احتمالات الاختطاف قائمة بشكل أكبر، خصوصاً بالنسبة لمواطني الدول (ضامنة الدفع) التي رضخت لابتزاز الخاطفين وعجلت بتحرير رعاياها.
ثمة حل آخر ينبغي ان يحضر في حسبان الجميع، وفي مقدمتهم السلطات اليمنية وأصدقاؤها، يتمثل في تشجيع حضور الدولة وتعزيز كفاءة أجهزتها، وتجفيف منابع وأدوات الجريمة التي تطال اليمني اولاً في مختلف تفاصيل حياته.. أما الأنانية المتعجلة في الاستجابة لمطالب المرتزقة، بقصر نظر لا يتعدى الحادثة الراهنة، دون وجود خطة ردع، فلن تكون حلاً لجرائم الاختطاف وستبقي الاختطاف متاحاً وبإغراءات متزايدة، وسيجني دافعو الفدى وزر تشجيع الظاهرة، وخيانة قيمهم، وتعريض مواطنيهم او غيرهم مستقبلاً بشكل او بآخر لجرائم شبيهة ربما لا يتغير فيها صعود مؤشر بورصة الفدية، وارتفاع مستوى الجريمة المنظمة.