اقترب مني احد زملائي الاعزاء بالجامعة والمنتمي الى احد الاحزاب السياسية الكبيرة على الساحة اليمنية وقال لي : الى متى ستظل هكذا مستقلا لا تنتمي الى اي حزب ! هل تعرف انك اليوم وفي ظل واقعنا السياسي والاجتماعي الراهن لن تحصل على الكثير من حقوقك أو تتمكن من تحقيق احلامك وتطلعاتك في العمل والحياة اذا لم تكن منتمياً الى اي حزب سياسي يدعمك ويقف الى جانبك ويحقق تطلعاتك !! شرحت له وجهه نظري وموقفي من الاحزاب السياسية اليمنية والحزبية عموما في بلادنا وثقافة الانتماء الحزبي السائدة لدى المنتمين للأحزاب في مجتمعنا , وكيف اثر التعصب الحزبي على جوانب الأداء والعلاقة بين الافراد والزملاء في مختلف المؤسسات ومنها جامعتنا التي نعمل بها سويا وما آلت اليه كم فساد وأوضاع متردية نتيجة التعصب والنزاعات الحزبية داخلها , وكيف تمارس الاحزاب السياسية في بلادنا نشاطاتها في الواقع بعيدة عن ملامسة ظروف ومتطلبات الناس الحياتية والمعيشية . وغياب الرؤية المستقبلية لمفهوم ومقومات الدولة المدنية الحديثة لدى معظم هذه الاحزاب وتركيزها التام على الوصول للسلطة بأي ثمن وتغليب مصالحها السياسية على مصلحة الوطن العليا وتسخير وسائل اعلامها كليا للمكايدات وتبادل الاتهامات فيما بينها , وأوضحت له ان هذه الاحزاب قد فقدت صلتها بالناس ثم فقدتهم , كما انها عمدت إلى تجذير الفُرقة والخلاف. فضيّقت واسعًا يسع النّاس وجعلت من الاختلاف أصلًا ، فصارت صوتَ نفسها، وصار كلّ صوت ٍ- ولو كان صوتًا شعبيًا فعالا - هو صوت الآخر فلا يدعمه الحزب إلا أن يكون منه أي مؤطَّرًا بإطاره ومتحدثًا بأدبياته وأهدافه. و صار {كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون} فزاد بذلك عدد الأحزاب وصار التنافس سمة التفاعل الغالب بينها.. واصبح الناس مجرد غنائم تتقاسمها هذه الاحزاب في معارك الانتخابات ويُنظر إليهم ك “آخرين” أو “تابعين”.!! وإذا كنا اليوم امام استحقاق بناء الدولة اليمنية الحديثة , فإنني ومن منطلق القاعدة التي تنص على ان « فاقد الشيء لا يعطيه», أؤكد ان احزابنا السياسية اليمنية بوضعها الراهن لا يمكن ان تسهم بفاعلية في بناء هذه الدولة , لأنها اساسا تفتقد الى العديد من الخصائص والمتطلبات التي تؤهلها للقيام بدور فعال في هذا الجانب , فكيف لأحزاب اسيرة لأفكار أو أيدلوجيات تقليدية لا تواكب روح العصر و المتغيرات الحديثة , ان تسهم في بناء وتحقيق دولة مدنية حديثة ومتقدمة ؟!! , وكيف لأحزاب يهيمن عليها افراد وجماعات ذات مصالح فئوية وخاصة بعيدة كل البعد عن المصالح الوطنية , ان تسهم في بناء دولة يمنية حديثة تقوم على العدالة والمواطنة المتساوية , وتحقيق الخير والنماء لجميع ابناء اليمن دون استثناء ؟!! وكيف لأحزاب لا تطبق النهج الديمقراطي الحديث , ولا تؤمن بالتغيير وضرورة التحديث المستمر في هيكلها ومكوناتها وممارساتها الداخلية , ان تسهم في بناء الدولة اليمنية الحديثة على اسس ديمقراطية وتعددية ومعاصرة ؟!! ورغم ما لمست من قناعة في وجه زميلي برؤيتي الخاصة للأحزاب والحزبية فى بلادنا , إلا انه اوضح لي من خلال امثلة فعلية واقعية ما يمكن ان اعانيه نتيجة عدم انتمائي لأي من هذه الاحزاب سواء على مستوى عملي بالجامعة أو على مستوى وضعي المعيشي والشخصي في المجتمع . وانى سأكون بمثابة المهشمين لا احد يهتم لأمري وتطلعاتي وأفكاري مهما كانت قدراتي ومهاراتي العلمية والعملية , وأنه من منطلق حبه لي وحرصه على مصلحتي ينصحني بضرورة الانتماء الى حزبه السياسي , وانتهى الحديث فيما بيننا عند هذا الحد وكل واحد منا ذهب في حال سبيله .. وبعد هذا الحديث قلت في نفسي سبحان الله هل اصبح تقدم الشخص وتحسن وضعه المهني والمعيشي اليوم وفي مجتمعنا مرتبطاً بانتمائه الحزبي لأي من الاحزاب والتنظيمات السياسية على الساحة !!! وليس بكفاءته وقدراته ومهاراته العلمية والعملية !! وختاما تذكرت موقفاً حدث لأحد زملائي من اعضاء هيئة التدريس بالجامعة عندما كان يؤدي محاضرته لطلابه في القاعة وقام بتأنيب احد طلابه المنتمين لنفس الحزب السياسي الذي ينتمي اليه عضو هيئة التدريس نتيجة تصرف الطالب السيئ اثناء المحاضرة , فرد عليه الطالب قائلا يا دكتور لا تنس اني اعلى منك تنظيما ( اي مرتبة تنظيمية في هيكل الحزب ) فأرجو ان لا تتجاوز حدودك معي !!! ووفقا لذلك ومن خلال ما أشاهده اليوم على ارض الواقع سواء على مستوى الجامعة أو المجتمع من اختلالات ومظاهر قصور متعددة في العديد من الاجهزة والمؤسسات نتائج التعصب الحزبي والمكايدات بين الاطراف والقيادات الادارية المنتمية للأحزاب السياسية , وكذلك ما اسمعه وأشاهده هذه الايام من اطروحات وأفكار ممثلي الاحزاب خلال جلسات الحوار الوطني , كل ذلك يجعلني احمد الله تعالى بكرة وأصيلا انني مستقل حر في تصرفاتي وأقوالي وعرض افكاري وفقا لما يمليه علي ضميري وواجبي الديني والمهني والأخلاقي تجاه مجتمعي ووطني وأبناء وطني , دون إملاء أو تأثير من أي طرف أو جهة هنا أو هناك . فما اجمل ان تكون عبد الله وحده لا شريك له ومنتميا لوطنك الكبير من كل حزب وتنظيم وفرد وجماعة , تؤيد وتدعم بحرية كل ما يحقق الخير والنماء والتقدم والأمن والاستقرار لهذا الوطن من جهد ورأي وموقف وتصرف وعمل أياً كان مصدره على الساحة الوطنية . وتقف بحرية ضد أي افكار واطروحات وتصرفات من شأنها الاضرار بمصلحة الوطن العليا وأمنه واستقراره ,ايا كان مصدرها داخليا او خارجيا , ومهما كلفتك مواقفك وآراؤك نتيجة وضعك السياسي المستقل من متاعب على صعيد عملك أو معيشتك , فثق جيدا انك لن تكون مهمشا ولن يضيرك شيء . فالله وحده فقط من بيده رزقك وأجلك وهو وحده العالم بما تخفيه الأنفس وما تحمله القلوب التي في الصدور !! اللهم اعني على ان اخلد كل ليلة الى فراشي وقلبي نظيف لا يحمل حقدا أو ضغينة لأي مسلم على وجه هذه المعمورة , انك ولي ذلك والقادر عليه , وحسبي الله ونعم الوكيل . رابط المقال على الفيس بوك