في ساحتنا السياسية اليمنية فقط أجد العجب العجاب، أفراد يفترض أنهم على درجه عالية من العلم والثقافة يدركون جيداً حقيقة كلما يدور على الساحة السياسية المحلية والخارجية من أحداث ومتغيرات وهم قادرون بحكم مستواهم العلمي والثقافي على التمييز بين الصح والخطأ, بين الحق والباطل , بين ما ينفع الناس وما يضرهم , بين من يؤدي واجبه بإخلاص ومهنيه وحس وطني بعيد عن التوجيه الخارجي بريموت زعيم الحزب أو شيخ القبيلة، ومن لا يؤدي واجبه بإخلاص بل قد يمارس الفساد في ظل نفوذ الحزب وحماية القبيلة، لكن للأسف الشديد فإن هؤلاء الأفراد المنتمون لبعض الأحزاب السياسية في بلادنا قد جعلوا معظم أفكار وتوجيهات قياداتهم الحزبية مقدسه لا ينبغي مناقشتها أو مخالفتها مهما كانت خاطئة أو قاصرة عن مواكبة متغيرات العصر ومتطلبات الواقع ولا تخدم الوطن أو أبناء الوطن بقدر ما تخدم مصالح الحزب وتوجهاته , ومهما حاولت إقناع مثل هؤلاء الأفراد المتعصبون لأحزابهم بخطأ ما يقومون به أحياناً من تصرفات وأعمال لا تخدم الوطن والمجتمع تنفيذاً لتوجيهات وتعليمات قياداتهم الحزبية , فإنهم لا يقتنعون بوجهة نظرك حتى لو دعمتها بالحجج والبراهين التي تدلل على فاعليتها وفائدتها وأهميتها , بل قد يناصبوك العداء ويحاربوك لمجرد أنك خارج إطار انتماءاتهم الحزبية تنفيذاً لشعار بوش المعروف “من لم يكن معنا فهو ضدنا “. لقد أصبح الشخص المستقل منا اليوم والذي لا ينتمي الى أي من هذه الأحزاب يشعر بالغربة أحياناً ويعاني ويخسر الكثير من حقوقه وما يجب ان يحصل عليه في إطار مجال عمله واختصاصه او المؤسسة التي يعمل بها بسبب عدم انتمائه لأحد هذه الأحزاب، ومن ناحية أخرى فإن انتماء بعض الأفراد لأحزاب سياسيه معينة للأسف الشديد دافعه الأول والأخير الحفاظ على مصالحهم او الحصول على مكاسب وإمتيازات شخصية عجزوا عن الحصول عليها خارج إطار هذه الأحزاب وبالتالي يصبح هؤلاء مثل الدمى تحركها هذه الأحزاب كيفما أرادت وحيثما أرادت وفي أي وقت تريد !!! وارجوا أن لا يفهم من حديثي السابق بأني ضد انتماء الفرد لأي حزب سياسي فهذا حق كفله الدستور لكل مواطن , كما أن الإنسان مفطور اساسا على حب الانتماء ، وأنه يبحث عنه كل حين، ونزيد هنا أن الإنسان في بحث مستمر عن الانتماء الذي يحقق له “ذاته” فيجد فيه ما يجعل منه إنسانا له “وزنه”، “وقيمته”، والذي يُشعره أنه يستند إلى “قوة” تحميه وترعى “مصالحه” وتحقق له “مكاسب” سواء مادية أو أدبية. والمنتمون إلى الحزب فريقان : فريق مؤمن بمبادئ وأفكار الحزب ، وفريق يؤمن بالمكتسبات والمصالح التي يؤمنها له الحزب ، والقائمون على الأحزاب يعون هذا جيداً وهم يستخدمون كلا الفريقين بما يخدم مصلحة “الحزب” في النهاية، ولكل حزب مجموعة من المبادئ تستند إلى رؤية معينة يقرها كل منتمي إلى هذا الحزب ، فإن تكون عضوا في أي حزب من الأحزاب يعني أنك : تؤمن بمبادئه وتسعى إلى تحقيق أهدافه وتروج له وتخلص له ، ويهمك نجاحه ، إلا ان هذا الانتماء ينبغي ان لا يتجاوز حدود المنطق والعقل والمصلحة العليا للوطن وأبنائه , ويصل الى درجة التعصب الأعمى أو العبودية للحزب !! فالتعصب الحزبي نقيض التسامح والانفتاح , نقيض الفكر والإبداع , عدو التواصل والتعايش الآمن. ويحمل في جنباته معنى التشدد والانغلاق والجمود ؛ ورفض الآخر وإن كان الآخر على صواب . كما أن التعصب له صلة وثيقة بصفة “العمى”، ولهذه الصلة معنى عميق ودلالة واضحة، بحيث تعني أن المتعصب : أعمى البصر والبصيرة معاً، فهو أعمى وإن كان مبصراً، لا يرى إلا ما حشي به ذهنه من أفكار ومعلومات ، وبالتالي ينعكس على العين والبصيرة فيفقدها وظيفتها وقدرتها على الرؤية السليمة والصحيحة للأشياء !! وختاماً أقول لكل من ينتمي الى حزب سياسي “جميل أن يكون الإنسان منتمياً إلى مجموعة تشاطره أفكاره وأهدافه وهمومه.. وجميل شعور التعاون بين أفراد “المجموعة” في مسيرتها نحو تحقيق الهدف وجميل شعور التحدي والمخاطرة في سبيل حماية مصالح الحزب وأفراده، ولكن الأجمل من كل هذا أن يكون الانتماء لهذا الحزب بعيداً عن مفهوم العبودية… فأن تكون عضوا في حزب فإن هذا لا يعني أن ترى الخطأ فتسكت عليه من منطلق انه في مصلحة الحزب , أو تفترض بالقائمين على الحزب العصمة ، وتسبغ عليهم صفة القداسة او توافق على خطوات تتنافى مع مبادئك وأخلاقك لأن “الكبار” في الحزب وافقوا عليها ، وهم أدرى بالصح والخطأ منك ، “فسياسة” الحزب التي “قد لا تفهمها ” تقتضي ذلك! أو أن ترى وثن “المصلحة” يُعبد في الحزب وتبقى صامتا حيال ذلك , أو أن تتعصب له وتدافع عن أخطائه وتجاوزاته او تبررها ، وتعللها فقط لأنه “حزبك”! أو أن تؤطّر نفسك به كمرجعية فكرية وأخلاقية، ولو خالف هذا مبادئك وقيمك.. وعليك أن تتذكر دائما أنك عبداً لله وليس”للحزب”… عبداً لله وليس للمصلحة, وأن تفصّل دنياك على مقاييس دينك ، لا أن تفصّل دينك على مقاييس دنياك . وكم هو رائع أن نتبنى أمراً، وننتمي إلى فكرة، ولكن الأروع أن نعيش هذا الإنتماء بتوازن بين العاطفة والعقل. والحقيقة والفرضية, فلا نتبنى دور المدافع والمبرر لكل المواقف …. فقط … حتى لا تسقط الفكرة!!! والله من وراء القصد. * أستاذ التسويق المساعد - جامعة تعز رابط المقال على الفيس بوك